قال الرافعي: إذا تيقَّن وجمود الماء حواليه فله ثلاث مراتب:
إحداها: أن يكون على مسافة ينتشر إليها النَّازِلُونَ في الاحْتِطَاب وَالاحْتِشَاش، وتنتهي البهائم إليها في الرَّعي، فيجب السَّعْي إليه، والوضوء به، لأنَه إذا كان يَسْعَى لأشغاله إلى هذا الحَدِّ، فلينته (١) للعبادة أولى وهذا فوق حد الغوث الذي يسعى إليه عند التَّوَهُّمِ. قال الأمام محمد بن يحيى ولعله يقرب من نصف فَرْسَخٍ.
الثانية: أن يكون بعيداً عنه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت فيتيمم ولا يسعى إليه لأنه فاقد في الحال، ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمُّم أصلاً، بخلاف ما لو كان واجداً للماء، وخاف فوات الوقت لو توضَّأ حيث لا يجوز له التيمم؛ لأنه ليس بفاقد، على أن صاحب التَّهْذِيبِ حكى في هذه الصورة وَجْهاً أنه يتيمم، ويصلي لحرمة الوقت، ثم يتوضّأ ويعيد: وقد يقول النّاظر أيعتبر كونه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت من حين نزوله في ذلك المنزل، أو من أول وقت الصلاة لو كان نازلاً فيه. فإن كان الأول فقد يكون الماء في حد القرب، ولو سعى إليه لفاته فَرْضُ الوَقْتِ لنزوله في أخر الوَقْتِ، فإذا لم نوجب السعي إليه بطل إطلاق قولنا: "إنه إذا كان الماء في حد القُرْب لزم السَّعْيُ إليه، وإنا اعتبرنا من أَوَّلِ وقتِ الصلاة فمواقيت الصلاة مختلفة في الطُّولِ وَالقِصَرِ، فما الذي يفعل أنعتبر الوسط منها كما يفعل في حد القرب؟ فان القَدْرَ الذي ينتشر إليه المسافر لحاجته مختلفة صيفاً وشتاء، ويؤثر فيه وُعُورَةُ المكان وسهولته، وما أشبه ذلك، والمعتاد في نَظائِرِ ذلك الأخذ بالوسط المعتدل أم نعتبر في كل صلاة وقتها، فتختلف المسافة التي يحتاج إلى قَطْعِهَا، أم كيف الحال، ولو كان يتيمَّم لفائته فكيف يقدر فوات وقتها لو سعى إلى الماء؟ أيقال وقتها أول حالة