للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأجل لازم هاهنا، فلا مطالبة قبل الحلول بخلاف سورة الإِقْرَاضِ، ولو ملك الثمن فكان حاضراً عنده، لكنه كان محتاجاً إليه لدين مستغرق في ذمته أو لنفقته أو نفقة رَقِيقِهِ، أو حيوان محترم معه، أو لسائر مُؤْنَات سفره في ذهابه، وإيابه، فلا يجب عليه الشراء، ويعذر في الصّرف إلى هذه الوجوه، وإن فضل عن حاجته لزمه الشراء، إن بيع بثمن المِثْلِ، لأنه قادر على استعمال الماء، ويصرف إليه أي نوع من المال كان معه، وإن بيع بِغَبْنٍ لا يلزمه الشِّرَاء، كما لو كان يتلف شيء من ماله لو سعى إلى الماء المباح، وظاهر كلامه في الكتاب وعليه الأكثرون أنه لا فرق بين أن يكون الغبن بقدر قليل، أو كثير. ومنهم من قال: إن بيع بزيادة يَتَغَابَنُ الناس بمثلها وجب الشراء، ولا عِبْرَةَ بتلك الزيادة، وإذا كان البيع نَسِيئَةً وزيد بسبب التأجيل ما يَلِيقُ به فهو بيع بثمن المثل على أظهر الوجهين، وإن زاد المبلغ على ثمن مثله نقداً فيجب الشّراء على قولنا: يجب الشراء بالنَّسيئة. وكيف يعتبر ثمن مثل الماء وما معناه؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: ثمن مثله قَدْر أجرة نَقْلِهِ إلى المَوضِعِ الذي فيه الشخص، لأنه لا يرغب في الماء بأكثر منه، وعلى هذا فالأجْرَة تختلف باختلاف المَسَافة طولاً وقصراً، فيجوز أن يعتبر الوسط المقصد، ويجوز أن يعتبر الحَدّ الذي يسعى إليه المسافر عند تيقن الماء، فإنَّ ذلك الحد لو لم يقدر على السعي إليه بنفسه، واحتاج إلى بَذْلِ الأجرة لم ينقل الماء منه إليه، يلزمه البذل إذا كان واجداً لها.

وثانيها: أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات، ولا يعتبر ذلك الوقت بخصوصه، فإن الشَّربة الواحدة عند العزّة يرغب فيها بدنانير كثيرة.

وثالثها: أنه يعتبر ثمن مثله في ذلك الموضع في تلك الحالة، فإن لكل شيء سُوقاً يرتفع وينخفض، وثمن مثل الشيء ما يليق به في تلك الحالة، ألا ترى أن الرَّقَبَةَ وإنْ كانت غالية بالإضافة إلى عموم الأحوال يجب شِرَاؤُهَا بما يرغب فيها في تلك الحالة، وهذا الوجه هو الأظهر عند الأكثرين من الأصحاب.

والوجه الثاني: منقول عن أبي إسحاق، واختاره القاضي الروياني، ولم أر أحداً اختار الوجه الأول سوى صاحب الكتاب، ومن تابعه. وقد ذكر إمام الحرمين إن ذلك الوجه مبني على أن الماء لا يملك، فإنه إذا لم يملك لم يكن له ثمن، فاعتبر أجرة النقل. وأشار المسعودي إلى هذا البناء أيضاً، ومعلوم أن القول بأن الماء لا يملك وجه ضعيف في المذهب، فليكن كذلك ما هو مبني عليه.

وادعى في "الوسيط" أن الوجه الذي اختاره غير مبني على ذلك الوجه، حيث قال: أحدها أن ثمن مثله أجرة نقل الماء فيه تعرف الرغبة في الماء، وإن كان مملوكاً

<<  <  ج: ص:  >  >>