للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلَدِي، صيفي أو خريفي، أبيض أو أصفر، ولا حاجة إلى ذكر الحديث والعتيق؛ لأنه لا يختلف الغرض به، ويقبل مَا رَقَّ بسبب الجَزّ ولا يقبل مَا رَقّ رقة عيب، والله أعلم.

وهذا باب لا ينحصر فاغتن بالمذكور عن المتروك.

قال الغزالي: فإن شَرَطَ الجَوْدَة جَازَ، وَنَزَلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ، وَإِنْ شَرَطَ الأَجْوَدَ لَمْ يَجُزْ إِذْ لاَ يُعْرَفُ أَقْصَاهُ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّدَاءَةَ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فَإِنْ شَرَطَ الأرْدَأَ جَازَ عَلَى الأَصَحِّ، لأَنَّ طَلَبَ الأَرْدَإِ عِنَادٌ مَحْضٌ فَلا يَثُورُ بِهِ نِزَاعٌ، وَالوَصْفُ الَّذِي بِهِ التَّعْرِيفُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِلْغَة يَعْرُفِهَا غَيْرُ المُتَعَاقِدَيْنِ.

قال الرَّافِعِيُّ: مضمون الفصل مسألتان:

إحداهما: ذهب العراقيون من مشايخنا إلى اشتراط التَّعرض للجودة أو لِلرَّداءة، في كل ما يسلم فيه، وعللوه بأن القيمة، والأغراض تختلف بهما وظاهر النص يوافق ما ذكروه، وقال غيرهم: لا حاجة إلى غيره، ويحمل المُطْلق على الجَيْد، وهو الأظهر (١)، وإيراد الكتاب يوافقه.

وسواء قلنا بالاشتراط أو لم نقل، فإذا شرط الجَوْدة نزل على أقل الدرجات، كما إذا شرط صِفَة أخرى، ولو شرط الأَجْود لم يَجُز؛ لأن أقصاه غير معلوم، فكأنه شرط شيئاً مجهولاً، وأيضاً فإنه ما مِنْ جيد (٢) يأتي به إلاَّ والمُسَلم يطالبه بما هو أجود منه تمسُّكاً باللفظ فيدوم النِّزَاع بينهما، وإنْ شرط الرَّدَاءة فقد أطلق في الكتاب أنه لا يجوز، وفصّل كثيرون فقالوا: شرط رداءة النوع يجوز لانضباطه، وشرط رداءة العَيْب والصفة لا يجوز؛ لأنها لا تَنْضَبط، وَمَا مِنْ رديء إلاَّ وهناك خير منه، وإنْ كان رديئاً فيفضي إلى النزاع (٣). واعلم أن المُسَلم فيه لا بُدَّ من التعرض له على ما سبق، وإن لم ينص على النوع، وتعرض للرديء تعريفاً للنوع فذلك محتمل لا محالة، وإن نص على النوع فذكر الرداءة حشو. وأما رداءة الصِّفَة فَالَّذي حكيناه عن العِرَاقيين يقتضي تَجْويز اشتراطه؛ لأنهم ذكروها في مُقَابلة الجودة، ولا شك أنهم لم يريدوا بها جَوْدَة النَّوع، ولهم أن يعترضوا فيقولوا: هب أن رداءة الصفة لا تنضبط، لكن الجودة أيضاً كذلك، وقد نزلناها على أقل الدَّرجات، فلم لا تفعل في الرداءة مثله، وإن شرط الأردأ ففيه قولان، ويقال


(١) قال النووي: قوله ظاهر النص مما ينكر عليه، فقد نص عليه في مواضع من (الأم) نصاً صريحاً.
(٢) في ط: شيء.
(٣) قال النووي: وقد قال بالبطلان أيضاً إمام الحرمين، والأصح: الصحة، وبه قطع العراقيون، ونص عليه الشافعي -رضي الله عنه- في الأم نصاً صريحاً في مواضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>