قال الرَّافِعِيُّ: يعتبر في المتعاقدين التكليف كما في البيع، لكن الرَّهْن تَبَرُّع فإن صدر من أهل التَّبَرُّع في ماله فذاك، وإلاَّ فالشرط وقوعه على وِفْق المَصْلَحَة والاحتياط، إذ مقصود هذه التَّوْطِئَة التدرج إلى الكلام في ثلاثة فصول:
أولها: رهن الوَلِيّ مال الصَّبي والمَجْنُون وَالمَحْجُور عليه بالسَّفَهِ، وارتهانه لهم مشترط بالمَصْلَحَة والاحتياط، فمن صوّر الرَّهْن على وجه المَصْلَحَةَ أنْ يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نَسِيْئَة، ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز؛ لأنه إذا لم يعرض تلف ففيه غِبْطَة ظاهرة، وإنْ تلف المرهون كان في المشتري ما يجبره، ولو لم يساعد البائع إلاَّ بِرَهْن ما يزيد على مائة أعرض عَنْ هذه المعاملة؛ لأن الرَّهْن يمنع من التَّصَرف، وربّما يتلف فيتضرر به الطِّفْل، نعم لو كان المرهون ما لا يتلف في العادة كالعَقَار، فعن الشيخ أبي محمد الميل إلى تَجْويزه.
قال الإمام: وهو منقاس: لكنه خلاف ظاهر المذهب.
ومنها: إذا كان الزمان زمان نَهب، أو وقع حَريق وخاف الوَلِيُّ على ماله، فله أن يشتري عَقَاراً، ويرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيَّأ أداؤه في الحال، ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرَّهْن، وذلك؛ لأن الإيداع المُجَرّد في مثل هذه الحالة جائز ممن لا يمتد النَّهب إلى يده فهذه أولى.
ولو استقرض شيئاً والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلاني؛ لأنه يخاف التلف على ما يقرضه خوفه على ما يرهنه، وأنت بسبيل من أن تقول: إذا لم يجد من يأخذه وديعة، ووجد من يأخذه رَهْناً، وكان المرهون أكثر قيمة من القرض، وجب أن يجوز رهنه.
ومنها: أن يستقرض الولي له لحاجته إلى النَّفَقَة أو الكسوة أو تَوْفِيَة ما يلزمه، أوْ لإصْلاح ضِيَاعه ومرمَّتها ارتقاباً لغلّتها أو لحلول ما له من الدَّيْن المؤجل، أو لنَفَاق متاعه الَكَاسِد، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك، فبيع ما تعذَّر رهنه أولى من الاستقراض.