أحدهما: القَطْعُ بجواز التيمم.
والثاني: أن فيه قولين، وقد توجه المنع بالقدرة على استعمال الماء، وقصور الضرر فيه عما تقدم من المضّار، فظاهر المذهب القطع بالجواز، لأنه إذا خاف المرض الذي يخاف منه التّلف فقد خاف التلف، وهذا قضية كلامه في "المختصر"، وهو الَّذِي ذكره المسعودي وغيره في الشروح: على أن في تشبيه الإمام الطريقين في هذه الصورة شبهة قوية فإن الَّذي يلغي في كتبهم حكاية الطريقتين في صورة بُطْءِ البُرْء وأخواتها كما سيأتي، لا في هذه الصورة بل الَّذي يدل عليه كلامهم تجويز التيمُّم هاهنا من غير تردُّد، والله أعلم.
وثانيها: المرض الذي يخاف من استعمال الماء معه شدة الضَّنى أو زيادة العِلَّة أو بطء البرء وبقاء الشّين القَبِيحِ، ولنفصل هذه الصور وأحكامها: أما زيادة العلّة وبطء البُرْءِ فقد حكوا فيهما ثلاثة طرق:
أظهرها: أن في جواز التيمم للخوف منها قولين:
أحدهما: المنع؛ لأن إباحة التَّيمم لمريض مأخوذة من الآية وقد روينا عن تفسير ابن عباس اعتبار خوف التّلف فيه.
وأظهرهما: الجواز، وبه قال مالك وأبو حنيفة، لأنا لا نوجب شراء الماء بأكثر من ثَمَنِ المِثْلِ لما فيه من الضَّرر، ومعلوم أن الضَّرر هاهنا أشد؛ ولأن ترك الصوم وترك القيام في الصَّلاة لا يعتبر فيه خوف التّلف، بل يلغى فيه هذا النوع من المرض فكذلك هاهنا.
والطريق الثاني: القطع بالجواز وتأويل قول المنع على ما إذا لم يلحقه إلاَّ مُجَرَّد الألم والمشقَّة.
والثالث: القطع بالمنع وتأويل الجواز على ما إذا كان المخوف التَّلف.
فإن قلت: وما الفرق بين زيادة العِلَّة وبطء البرء؟
فالجواب أن المراد من زيادة العلة إفراط الألم وكثرة المقدار وإن لم تمتد المُدَّة، ومن بُطْءِ البرء امتداد المدّة وإن لم يزد القدر ثم قد يجتمع الأمران، وأما شدَّة الضَّنى ففي جواز التيَّمم بها الطريقان الأوليان، والظاهر عود الطريقة الثالثة أيضاً، والمراد من الضَّنى المرض المُدْنف الذي يجعله ضمناً، وكأنه نوع من المرض خاص.
وأما إذا خاف من استعمال الماء بقاء الشين على بدنه فننظر إن خاف شيئاً قبيحاً على عضو ظاهر كالسَّوَاد الكثير في الوجه ففيه ثلاث طرق أيضاً:
أحدها: الجزم بالجواز، لأنه يشوِّه الخِلْقَة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو ويحكى ذلك عن ابن سريج والإصطخري.