قال الرَّافِعِيُّ: الثالث: مِنْ أسباب انفكاك الرَّهْن براءة الذِّمَّة عن الدَّيْن بتمامه، إما بالقَضَاء أو الإِبْرَاء أو الحِوَالة أو الإقَالة المُسْقِطَة للثمن المرهون به، أو المسلم فيه المرهون به، وَلو اعتاض عن الدَّيْن عيناً ارتفع الرَّهْن أيضاً لتحول الحق من الذمة إلى العَيْن، ثم لو تلفت العين قبل التسليم بطل الاعتياض، ويعود الرَّهْن كما عاد الدين قاله في "التتمة"، ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرَّهْن، كما أن حق الحبس يبقى ما بقي شيء من الثمن، ولا يعتق شيء من المُكَاتب ما بقي شيء من المال، وهذا لأن الرَّهْن وثيقة لجميع الدين، وكل جزء منه كالشهادة ولو رهن عبدين وسلم أحدهما، كان المسلم مرهوناً بجميع الدين، خلاف لأبي حنيفة -رحمه الله- أنه لو سلمهما ثم تلف أحدهما، كان الباقي رهناً بجميع الدين فيقاس عليه، ولو رهن داراً فانهدمت بعد القبض، فالنقض والعَرَصَة مرهونان بجميع الدين، وإنما الغرض انفكاك الرَّهْن في بعض المرهون دون بعض بأحد أمور:
أحدها: تعدد القدر كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة، ونصفه الآخر في صفقة أخرى.
وقوله في الكتاب:(وإِنْ تعدّد العقد والصَّفقة) لفظان مترادفان، وقد يؤكد بمثلهما.
والثَّاني: أن يتعدّد المستحق لِلدَّيْن كما إذا رهن رجل من رجلين بدينهما عبداً بينهما صفقة واحدة، ثم برئت ذمته عن دين أحدهما بأداء أو إبراء، ينفك من الرَّهْن بقسط دينه، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا ينفك شيء حتى يؤدي دينهما جميعاً، ولا يخفى وجه قولنا في المسألة، ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب:(أو مستحق الدين) مع الحاء بالواو، لأن عن صاحب "التقريب" رواية وجه غريب: أنه إذا اتحد جهة الدينين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما لم ينفك شيء بالبراءة عن دين أحدهما، وإنما ينفك إذا اختلفت الجهتان.
والثالث: أن يتعدد مَنْ عليه الدين كما لو رهن رجلان من رجل بدينه عليهما، فإذا أدى أحدهما نصيبه، أو برأه المستحق انفك نصيبه.
وعن أبي حنيفة فيما رواه الصَّيدلاني وغيره أنه لا ينفك حتى يبرئا عن حقه جميعاً، وجوز هذا الرَّهْن وإنْ لم يجوز رهن المشاع.
والرابع: لو وكَّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدينه عليهما، فرهن ثم قضى أحد الموكلين ما عليه، فعن بعض الأصحاب تخريجه على قولين سنذكرهما على