لما مر، فإذا حلف فهي كالشَّجَرة الحادثة بعد الرَّهْن في القَلْع، وسائر الأحكام وقد بَيَّنَاها مِنْ قبل، وهذا كله تفريع على الاكْتِفَاء منه بإنكار الوجود وهو الصحيح؛ لأن في إنكار الوجود يوم الرَّهْن إنكار ما يدعيه المرتهن، وهو رهنها مع الأرض، وفيه وجه سيأتي في نظائر المسألة في الدَّعاوي إن شاء الله تعالى أنه لا بد من إنكار الرَّهْن صريحاً. واعلم أن الحكم بتصديق الرَّاهن في هذه الصورة مفروض، فيما إذا كان اختلافهما في رهن تبرع.
فأما إذا اختلفا فِي رَهْن مشروط في بيع، فالجواب أنهما يتحالفان كما في سائر كيفيات البيع، إذا وقع فيه الاختلاف. وأما لفظ الكتاب فقوله:"فللراهن أن ينكر رهنها أو وجودها"، معناه أنه يقع منه بكل واحد من الإِنْكَارين، ويعتد به جواباَ، ولك أن تُعَلِّم قوله:"أو وجودها" بالواو للوجه الذي حكيناه.
وقوله قبله:(فلو ادعي المرتهن أن النَّخل التي في الأرض مرهونة مع الأرض) أي رهنها يوم رهن الأرض وإِلاَّ فلو اقتصر على دعوى رهنها لم يكن إنكار وجودها يوم رهن الأرض يكتفي به في الجواب، إذ لا يلزم أن تكون موجودة يومئذ أنْ لا تكون مرهونة. وقوله:(فإن كذبه واستمر على إنكار الحس) أي اقتصر على كلامه الأول، بعد ما طالبناه بجواب دعوى الرَّهْن، على ما أوضحته.
قال الرَّافِعِيُّ: إحدى صورتي الفصل: أنْ يدّعي رجل على رجلين أنهما رهنا منه عبدهما الفلاني بمائة وأقبضاه، فإن أنكر المدّعى عليهما الرَّهْن، أو الرَّهْن والدَّين جميعاً، فالقول قولهما مع اليمين، فإنْ صدق أحدهما دون الآخر، فنصيب المصدق رهن بخمسين، والقول في نصيب المكذب، قوله مع يمينه.
فلو شهد المصدق للمدعي على شريكه المكذب، قبلت شهادته؛ لأنها شهادة على الغير، ليس فيها دَفْع ضرر ولا جَلْب نفع، فإذا شهد معه آخر أو حلف المدعي معه، ثبت الرَّهْن في الكل ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه، وأنَّ شريكه رهن، وشهد عليه فوجهان، ويقال قولان:
أحدهما، وبه قال الشيخ أبو حامد: أنه لا تقبل شهادة واحد منهما؛ لأنَّ المدعى يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود، وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته له.