للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقولُ قولُ الدَّافِعِ مَع يَمِينِهِ؛ لأنه أعرف بقَصْدِهِ وكيفية أدائه، ولا فرق بين أن يَخْتَلِفَا في مُجَرَّدِ النية أو في اللَّفْظِ أَيْضًا (١)، بأن يقول: قد ذكرت أنه عن هذا الدَّيْن، وخالفه الآخَرُ، وكذا الحكم لو كانَ بأحدهما كَفِيلٌ، أو كان أحدهما حالاًّ أو ثمن مبيع، وهو مَحْبُوسٌ بِهِ، فقال: سلمته عنه، وأنكر صاحِبُه، قال الأئمة: والاعتبار في أداء الدَّيْنِ بقصد المُؤَدي، حتى لو ظَنَّ المستحق أنه يودعه عنده وظَنَّ من عليه أداء الدَّيْنُ الأداء تبرأ ذِمَّتُهُ، ويصير المُؤَدَّى مِلْكاً للمستحق.

فإن كان عليه دَيْنَان فأدى عن أَحَدِهِمَا بعينه وَقَعَ عَنْهُ، وإن أَدَّى عنهما يقسط على الدينين، وإن لم يقصد في الحَالِ شيئاً، فوجهان:

أحدهما: وبه قال أبو علي ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه يوزع على الدَّينين، إذ ليس أحدهما بأوْلَى من الآخر.

وأظهرهما: وبه قال أبو إسْحَاق: أنه يراجع حتى يَصْرِفَهُ إِلَيْهِمَا أَوْ إِلَى أَيِّهِمَا شَاء، كما إِذَا كَانَ له مالان: حَاضِرٌ، وَغَائِبٌ، ودفع دراهم إلى المستحقين زَكاة، وأطْلَقَ له صَرْفُهَا إلى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.

وتردد الصَّيْدَلاَنِيُّ في حكاية الوجه الأول أنه يوزع على قدر الدَّينين، أو على المستحقين بالسَّوِيَّة، وعلى هذا القِيَاس نَظَائِر المَسْأَلة، كما إذا تبايع مشركان دِرْهماً بدرهمين، وسلم الفضل من التزمه، ثم أسْلَمَا إن قصد تسليمه عن الفَضْلِ فعليه الأَصْلُ، وإن قَصَدَ تَسْلِيمَهُ عن الأَصْلِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وإن قصد تسليمه عَنْهُمَا وَزِّعَ عَلَيْهِمَا، وسقط ما بقي من الفَضْلِ، وإن لم يقصد شيئاً ففيه الوجهان.

ولو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مِثْلها، فَوَكَّلاَ وَكيلاً بالاستيفاء، فدفع المديون إلى الوَكِيل لزيد أو لعمرو فَذَاك، وإن أطلق فَعَلَى الوَجْهَيْنِ، ولو قال: خذه وادفعه إلى فلان


(١) يستثنى من تصديق الدافع صور:
منها: إذا كان أحد الدينين حالاً والآخر مؤجلاً، ثم قال الراهن اقبضته عن المؤجل فانفك الرَّهْن فلا يصدق لأنه مجبور على الأداء عن الحال فلا تخيير له.
ومنها: لو كان الدينان مؤجلين لكن أحدهما أطول من الآخر فقال الدافع: قصدت الأطول لينفك الرَّهْن لم يصدقه على المرتهن لأنه لا خيرة في الدفع إذ هو غير واجب عليه.
ومنها: لو كان الدين الذي به الرَّهْن مستقر أو الذي بلا رهن غير مستقر كالسلم فدفع المسلم إليه، وقال قصدت به دين الرَّهْن لينفك ولم يصدقه المسلم فالقول قول المدفوع إليه للعلة السابقة.
ومنها: لو كان الرَّهْن بألف مكسورة وله عليه ألف صحيحة بلا رهن فدفع ألفاً صحيحة، وقال قصدت دين الراهن وتبرعت بالزائد لينفك الرَّهْن لم يصدق لأن قرينة الحال تدل على خلاف قوله. قاله في الخادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>