أحدهما: ما يصادف المَال وينقسم إلى تحصيل كالاحْتِطَاب، والاتهاب، وقبول الوصية، ولا يخفى أنه لا يمنع منه؛ لأنه كَامِلُ الحَالِ، وغرض الحَجْرِ مِمَّا يضر الغُرَمَاءَ لا غير، وإلى تفويت فينظر إن تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صَحَّ، فإن فضل المال نفذ وإلاَّ فلا، وإن كَانَ غير ذلك فإما أن يكون مُوْرِدُهُ عَين المَالِ، أو مَا فِي الذِّمَّة.
القسم الأول ما يكون مورده عين المال، كالبيع، والهبة والرهن والإعتاق، والكتابة، وفيها قولان:
أحدهما: أنها موقوفة، فإن فضل ما تصرف فيه عن الدَّيْنِ إما لارتفاع القِيمَةِ، أو لإبراء بعض المستحقين نفذناه، وإلا بأن أنه كان لغواً، ووجهه أنه محجور عليه لِحَقِّ الغير، فلا يلغى تصرفه كالمريض وأصحهما وبه قال مَالِكٌ واخْتَارَهُ المُزَنِيُّ: أنه لا يصح شيء منها؛ لتعلق حق الغرماء بتلك الأموال، كتعلق حتى المرتهن، وأيضاً فإنه محجور عليه لِحِكْمِ الحَاكِمِ، فلا يصح تصرفه على مراغمة مَقْصُودِ الحَجْرِ كالسَّفِيهِ، وإن شئت قلت: هذه التصرفات غير نافذة في الحَالِ، فإن فضل ما تصرف فيه وانفك الحَجْر فهل ينفذ حينَئذٍ؟ فيه قولان وإيراد صَاحِب الكِتَابِ يوافق هذه العبارة، وجعل الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الخلافَ في هذه التصرفات علَى التَّرْتِيبِ، فقال: العتق أولى بالنفوذ؛ لقبوله الوَقْف، وتعلقه بِالإقْرَار، وتليه الكتابة؛ لما فيها من المعاوضة، ثم البَيْعُ والهِبَةُ؛ لأنهما لا يقبلان التَّعْلِيق، واختلفوا في محل القولين: فمن قاصرين لهما على ما إذا اقتصر الحَاكِم على الحَجْرِ ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه، فإن فعل ذلك لم ينفذ تصرفه قولاً واحداً، واحتجوا بأن الشَّافعي -رضي الله عنه- قال:"إذا جعل ماله لغرمائه فلا زَكاةَ عليه".
ومن طاردين لهما في الحالتين، وهو الأشهر، قال هؤلاء: وتجب الزَّكَاةُ عليه على أظهر القولين ما دام مِلْكُه باقياً، النَّصُّ محمولٌ على ما إذا بَاعَهُ مِنْهُمْ، فإن نفذناه بعد الحَجْرِ وجب تأخير ما تَصَرَّفَ فِيهِ، وقضاء الدَّيْنِ من غيره، فلعله يفضل، فإن لم يفضل نقضنا من تصرفاته الأضعف فالأضعف، والأضعف الرَّهْن والهِبَة؛ لخلوهما عن العِوَض، ثم البيع، ثم الكِتَابة، ثم العِتْق، قال الإمام: فلو لم يوجد رَاغِب في أموال المُفْلِس إلا في العبد المعتق وقال الغرماء: بيعوه ونجزوا حقنا ففيه احتمال، وغالب الظن أنهم يجابون (١)، وذكر الشَّيْخُ أبو إسحاق -رحمه الله- أنه يحتمل أن ينقض من
(١) قال النووي: هذا الذي ذكره من فسخ الأضعف فالأضعف، هو الذي قطع به الأصحاب في جميع الطرق، وحكاه صاحب "المهذب" عن الأصحاب، ثم قال: ويحتمل أن يفسخ الآخر فالآخر، أما قلنا في تبرعات المريض إذا عجز عنها الثلث، والمختار ما قاله الأصحاب. فعلى هذا، لو كان وقف وعتق، ففي "الشامل" إن العتق يفسخ، ثم الوقف. وقال صاحب "البيان": =