للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَبِيلِي" (١).

ثم هو بلوغ حقيقة، أو هو دليل البُلُوغِ وأمارته فيه قولان:

أحدهما: أنه بلوغ حقيقة كسائر الأسْبَاب، وأظهرهما على ما قاله الإمام، وهو الذي أورده صاحب الكتاب أنه أمارة بلوغِ، لأن البلوغ غير مكتسب، وهذا شيء يستعجل بالمعالجة.

فإن قلنا: بالأول فهو بلوغ في حَقِّ المسلمين أيضاً كسائر الأسباب، لا فرق فيها بين المسلم والكافر.

وإن قلنا: إنه أمارة ففي حق المسلمين وجهان:

أظهرهما: أنه لا اعتبار به؛ لأن مراجعة الآباء في حَقِّ المسلمين، والاعتماد على أخبارهم عن تواريخ المواليد سَهْل، بخلاف الكفار فإنهم لا اعتماد على قولهم، ولأن المسلمين رُبَّما استعجلوا بالمعالجة ورفعاً للحجر واستفادة الولايات، والكفار لا يتهمون بمثله، لأنهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم الجزية.

والثاني: وبه قال مالك وأحمدَ: إنه يجعل أمارة في حقهم أيضاً، لأن الإشْكَالَ قد يقع في حق المسلمين أيضاً، ويدل عليه ما روى "أَنَّ غُلاماً مِنَ الأَنْصَارِ شَبَّبَ بِامْرَأَةٍ فِي شِعْرِهِ فَرُفِعَ إِلَى عُمَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ، فَقَالَ لَوْ أَنْبَتَّ الشَّعْرَ لَحَدَدْتُكَ" (٢).

ثم العبرة بالشَّعْرِ الخَشِن الذي يحتاج في إزالته إلى الحَلْق.

فأما: الزغب والشّعر الضعيف الذي قد يوجد في الصِّغر فلا أثر له.

وفي شعر الإبط وجهان:

أحدهما: أن إنباته كنبات شَعْرِ العَانَةِ، وبه قال القَاضِي حسين وآخرون، قال الإمام: لأن إنبات العَانة يقع في أول تحرك الطَّبِيعَة في الشَّهْوَة، ونبات الإبط يتراخى عن البُلُوغِ في الغَالِب، فكان أولى بالدّلالة على حُصولِ البلوغ.

والثاني: وهو الأصح على ما ذكره صاحب "التتمة": أنه لا أثر له في البلوغ؛ لأنه لو أثر لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة.

ونبات اللحية والشارب فيهما هذان الوجهان، لكن صاحب "التهذيب" فرق،


(١) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣١٠) وأبو داود (٤٤٠٤) والترمذي (١٥٨٤) وقال حسن صحيح، والنسائي (٦/ ١٥٥) وابن ماجة (٢٥٤١) والحميدي (٢/ ٣٩٤) وابن الجارود (١٠٤٥) وابن حبان الهيثمي في الموارد (١٤٩٩) والحاكم (٣/ ٣٥) وصححه، والبيهقي (٦/ ٥٨).
(٢) أخرجه البيهقي (٦/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>