للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُ الأَمْرَيْنِ اسْتَمَرَّ الحَجْرُ (م ح و)، وَمَهْمَا حَصَلَ انْفَكَّ الحَجْرُ (و)، فَلَوْ عَادَ أَحَدُ المَعْنَيَيْنِ لَمْ يَعُدِ الحَجْرِ؛ لأنَّ الإِطْلاَقَ الثَّابِتَ لاَ يُرْفَعُ إلاَّ بِيَقين كَمَا أَنَّ الحَجْرَ الثَّابِتَ لاَ يُرْفَعُ إلاَّ بِيَقِين، فَلَو عَادَ الفِسْقُ وَالتَّبْذِيرُ جَمِيعاً يَعُودُ الحَجْرُ أَوْ يُعَادُ عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَينِ، ثُمَّ يَلِي القَاضِي أَمْرَهُ أَم وَليُّهُ في الصَّبِيِّ؟ فيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا في الجُنُونِ الطَّارِئِ بَعْدَ البُلُوغِ، وَصَرْفُ المَالِ إلَى وُجُوهِ البرِّ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ، فَلاَ سَرَفَ في الخَيْرِ، وَصَرْفهُ إلَى الأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لاَ تَلِيقُ بِحَالِهِ تَبْذِيرٌ (و)، فَإِذَا انْضَمّ إِلَيْهِ الفِسْقُ أَوْجَبَ الحَجْرَ.

قال الرَّافِعِيُّ: أول ما ينبغي أن يعرف في الفَصْلِ أولاً معنى الرُّشْدِ المذكور في قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} وقد فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بالصَّلاَحِ في الدِّين مع إصْلاحِ المَالِ، ويدل عليه ما روى عن ابن عباس أنه قال: معناه: "رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ صَلاَحاً في دِينِهِمْ وَحِفْظاً لِأَمْوَالِهِمْ" (١) وروى مثله عن الحسن (٢) ومجاهد (٣)، والمراد من الصَّلاَح في الدين أن لا يرتكب من المُحَرَّمَاتِ ما تسقط به العَدَالَةُ، ومن إصْلاحِ المَالِ أن لا يَكون مبذراً، وصرف المال إلى وجوه الخير في الصَّدَقَاتِ وفك الرقاب وبناء المَسَاجِدِ والمدارس وما أشبهها لَيْسَ بِتَبْذِير، فلا سَرَفَ في الخير، كَمَا لا خَيْرَ في السَّرَفِ، وعن الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ: أن الصَّبِيَّ إذا بلغ وهو مفرط في الانْفَاق في هذه الوجوه فهو مُبَذِّرٌ، وإن عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصداً لم نحكم بصيرورته مبذراً.

وتضييع المال: بإلقائه في الْبَحرِ، أو باحتمال الغبن الفاحش في المُعَامَلاَتِ ونحوها تبذيرٌ، وكذا الإنفاق في المُحَرَّمَاتِ.

وصرفه إلى الأطعمة النفيسة التي لا يليق اتخاذها بِحَالِهِ، هل يكون سفهاً وتبذيراً؟

قال الإِمام وصاحب الكتاب: نِعم لِلْعَادة.

وقال: الأكثرون لا؛ لأن المال يطلب لينتفع به ويلتذ به، وكذا القول في التجمل بالثِّيَابِ الفاخرة والإكثار من شِرَاءِ الغانيات والاستمتاع بهن وما أشبه ذلك.

وبالجملة فالتبذير على ما نقله معظم الأصحاب محصور في التضيعات والإنفاق في المُحَرَّمَات ولا بد من اختبار الصبي ليعرف حاله في الرُّشْدِ وعدمه، ويختلف ذلك باختلاف طبقات النَّاسِ.


(١) أخرجه البيهقى (٦/ ٥٩).
(٢) أخرجه البيهقى من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عنه.
(٣) أخرجه الثوري في جامعه عن منصور عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>