ولو عاد الفسق دون الإتْفَاقِ في المعاصي وسائر وجوه التبذير.
فإن قلنا: اقتران الفسق بالبلوغ لا يقتضي إدامة الحَجْرِ، وهي الطريقة المنقولة على وفاق أبي حنيفة، ومالك -رحمهما الله- فلا يحجر.
وإن قلنا: يقتضيها فوجهان:
أحدهما: وبه قال ابْنُ سُرَيْجٍ: أنه يُحْجَرُ عَلَيْهِ، كما يستدام به الحَجْر، وكما لو عَادَ التَّبْذِيرُ.
وأصحهما: وبه قال أبو إسْحَاقَ لا يحجر؛ لأن الأولين لم يحجروا على الفَسَقَةِ، ويخالف الاستدامة، لأن الحَجْرَ ثُمَّ كَانَ ثَابتاً، والأصل بقاؤه وهاهنا ثبت الاطْلاَق، والأصل بقاؤه فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لبراءة الأَصْلِ، ويخالف التبذير فإنا نتحقق به تَضْيِيعَ المَالِ، أو بالفسق لا يتحقق، فإنه ربما لا ينفق المال إلا فيما يسوغ هان كان فَاسِقاً، ومقصود هذا الحَجْرِ صيانةُ المَالِ، ولا يجيء في عود الفسق الوجه الذَّاهِب إلى مَصِيره محجوراً بنفس التبذير، قال الإِمام -رحمه الله- فإذا حجر على من طرأ عليه السَّفَه، ثم عادَ رَشِيداً فإن قلنا: الحجر عليه لا يثبت إلا بضرب القَاضِي، فلا يرتفع إلا برفعه. وإن قلنا: يثبت بنفسه ففي زواله الخِلاَف المذكور فيما إذا بَلَغَ رشيداً. ومن الذي يلي أَمْرَ من حَجِرَ عَلَيْهِ بالسَّفَهِ الطارئ.
إن قلنا: إنه لاَ بُد من ضَرْبِ القاضي، فهو الذي يليه.
وإن قلنا: إنه يصير محجوراً عليه بنفس السَّفه، فوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجُنون بَعْدَ البُلوغِ.
أحدهما: أنه يلي أمره الأب، ثم الجَدّ كما في حالة الصِّغَر، وكما إذا بلغ مجنوناً.
والثاني: يَلِيه القَاضِي؛ لأن ولاية الأبِ قد زالت فَلاَ تَعودُ، والأول أَصَحُّ في صورة عُروض الجُنُون، والثَّانِي أصح في صُورَةِ عروض السَّفَهِ؛ لأن السَّفَهَ وزوالَه مُجْتَهَدٌ فيه فيحتاج إلى نَظَرِ الحَاكِمِ.
ونعود إلى ما يتعلق بألفاظ الكتاب.
قوله:(فإن اختل أحد الأمرين استمر الحجر) ينتظم إعلامه بالميم، والحاء، والواو، لما ذكرنا فيما إذا بلغ مصلحاً لماله فاسقاً.
وقوله:(مهما حصل) أي: كلاهما (انفك الحجر) معلم بالواو؛ للوجه الصَّائِر إلى أنه لاَ بُدَّ من فَكِّه، وكذا قوله:(لم يعد الحجر) للوجه الذي مَرَّ في عود الحَجْرِ عند عود التبذير وقوله: (لأن الإطلاق الثابت لا يرفع إلا بيقن) ولا يتيقن الرشد مع واحد