للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت التركة أعيانًا فهو صُلْحٌ عن العَيْنِ، وإن كانت ديونًا عليه فَصُلْحٌ عَنِ الدَّيْنِ، وإن كانَتْ عَلَى سَائِرِ الناس، فهو بَيْعُ الدَّيْنِ من غير مَنْ عليه [وقد سبق حكمه، وإن كان فيها عين ودين على الغير ولم يجوز بيع الدين لغير من عليه] فالصلح بَاطِل في الدين، وفي العَيْنِ قولا تفريق الصَّفقة.

الثَّانِي: له في يدِ غَيرِهِ ألفُ دِرْهَمٍ وخمسون دينارًا فصالحه منه على ألفي درهم، لا يجوز، وكذا لو مات عن اثنين والتركة ألفا دِرْهَم ومائة دينارٍ، وهي في يدِ أحدهما فَصالَحَهُ الآخر عن نصيبه على ألفي درهم يجوز (*)، والفرق أنه إذا كان الحَقُّ في الذِّمَّةِ فلا ضَرُورَة إِلَى تقدير المُعاوَضَةِ فيه، فيجعل مستوفيًا لأحد الألفين معتاضًا بالآخر عن الدَّنَانِير، وإذا كان عينًا كان الصُّلْح عنه اعتياضًا وكأنه باع أَلْفَ دِرْهَمٍ وخمسين دينارًا بأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وهو من صور مُدّ عَجْوة، ونقل الإمام عن القَاضِي حسين في صورة الدَّيْنِ أَيضًا المَنْع، تنزيلاً له على المُعَاوَضَة.

الثالث: صالحه عن الدَّارِ المُدَّعاة على أن يسكنها سَنَة، فهو إعارة الدَّارِ منه، يرجع عنها مَتَى شَاء، وليس بمعاوضة؛ لأن الرَّقَبَةَ والمنافع مِلْكُه، ومحال أن يعتاض بِمِلْكه عَنْ مِلْكِهِ، وإذا رجع عن الإِعَارَةِ لم يستحق أجرة المدة التي مضت، كما هو قضية العَارَيةِ، ونقل القاضي ابْنُ كَجٍّ وجهًا: أنه يستحق لأنه جعل سكنى الدَّارِ في مقابلة رَفْعِ اليَدِ عَنْهَا، وأنه عوضٌ فَاسِدٌ، فيرجع إلى أُجْرَةِ المِثْلِ، ولو صالحه عنها على أن يَسْكنَها سَنَةً بمنفعة عبده سنة، فهو كما لو أَجَّرَ داره بمنفعة عَبْدِهِ سَنَة.

الرابع: صالَحَهُ عن الزَّرْع الأخْضَرِ بشَرْطِ القَطْعِ جاز، دون هذا الشرط لا يَجُوز، ولو كانت المصالحة عن الزَّرْع مع الأَرْضِ فلا حاجة إلى شرط القطع في أَصَحِّ الوجهين، ولو كان التنازع في نِصْفِ الأَرْضِ ثم أقر المدعى عليه وتصالحَا عنه على شَيْءٍ لَمْ يَجُز، وإن شرطًا القطع كما لو بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ مشَاعًا لا يجوز شَرَطَ القَطْعَ أَوَ لَمْ يَشْتَرِطْ.

قال الغزالي: هَذَا كُلُّهِ في الصُّلْحِ عَلَى الإِقْرَار، فَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الإِنْكَارِ فَلا يَصِحُّ (ح) كَمَا إِذَا قَالَ: صَالِحْنِي عَلَى دَعْوَاكَ الكَاذِبَةِ أَوْ عَنْ دَعْواكَ أَوْ صَالِحْنِي مطْلَقًا، فَإِنْ قَالَ: بِعْنِي الدَّارْ الَّتي تَدَّعِيها فَهُوَ إِقْرَارٌ فَيَصَحُّ، وَإِنْ قَالَ: صَالِحْني عَنِ الدَّارِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإقْرارٍ، والصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَفِي صُلْحِ الحُطَيْطَةِ عَلَى الإِنْكَارِ فِي العَيْنِ وَجْهَانِ؛ لأَنَّهُ فِي حُكْمِ الهِبَةِ للبَعْضِ بِزَعْم اليَدِ، وَكَذا الخِلاَفُ في صُلْحِ الحُطَيْطَةِ في الدَّيْنِ.

قال الرَّافِعِيُّ: الوجه الثاني: من وَجْهَي الصُّلْحِ الجاري بين إلمتداعيين هو الصلح الجَارِي على الإِنْكار، فينظر إن جَرَى على غَيْرِ المدعي فهو بَاطِلٌ، خلافًا لأبي حنيفة ومَالك وأحمد.


(*) قال معد الكتاب للشاملة: صوابها: لم يجز؛ ويبينه ما بعده، حيث قال: "وإذا كان عينًا كان الصُّلْح عنه اعتياضًا وكأنه باع أَلْفَ دِرْهَمٍ وخمسين دينارًا بأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وهو من صور مُدّ عَجْوة"، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>