أحدهما: أنه إِجَارة وإنما لم يشترط تقدير المدة لأنّ العقد الوَارِدَ عَلَى المنفعة تتبع فيه الحَاجَة، وإذا اقتضت الحاجة التأييد أيد على خلاف سائر الأجارات والتحق بالنكاح، ونسب صاحب "البيان" هذا الوجه إلى ابن الصَّبَّاغِ.
وأظهرهما: أنه ليس باجارة مَحْضَة، ولكن فيه شَائِبَة الإجارة وهي أن المستحق به منفعة، وشائبة البيع، وهي أن الاستحقاق فيه على التَّأييد، فكأن الشَّرْعَ نظر إلى أن الحَاجَة تمس إلى ثُبوت الاستحقاق المُؤَبَّدِ في مرافق الأملاك وحقوقها، مساسها إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في الأعيان، فيجوز هذا العقد، وأثبت فيه شبهًا من البيع وشبهًا من الإِجَارَةِ، وهذا معنى قوله في الكتاب:(وهي بيع فيها مشابه الإجارة)، وإذا قلنا: إنه لا تملك به عين، فلو عقد بلفظ الإجارة، ولم يتعرض للمدة فوجهان:
أشبههما: أنه ينعقد أيضًا؛ لأنه يخالف البَيْعَ في قَضِيَّةٍ كما يخالف الإجارةُ في أخرى، فإذا انعقد بلفظ البيع لتوافقهما في قضية انعقد بلفظ الإجارة لتوافقهما في أخرى، فإذا جرت هَذهِ المُعَاملَة، وبنى المشترى عليه، لم يكن للبائع أن يكلفه النَّقض، ليغرم له أَرْشَ النقصان، ولو انهدم الجدار والسقف بعد بِنَاءِ المشترى عليه وأعاد مَالِكه، فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات، أو بمثلها، ولو انهدم قبل البناء فللمشتري البناء عليه إذا أعاده، وهل يجبره على إعادته؟ فيه الخِلاَف السَّابق: ولو هَدَمَ صاحب السفل أو غير السفل قبل بناء المشتري فعلى الهادم قيمة حق البناء؛ لأنه حال بينه وبين حَقِّه بالهدم، فإذا أعاد مَالِك السفل استرد الهَادِم القيمة؛ لأن الحيلولة قد ارتفعت، فلا يغرم أجرة البناء لِمُدَّة الحيلولة، ولو كان الهدم بعد البِنَاءِ فالقياس أن يُقال:
إن قلنا: إن من هدم جدار الغير يلزمه إعادته، فعليه إعادة السّفل والعُلُو.
وإن قلنا: يلزمه أَرْشُ النقص، فعليه أرش نَقْصِ الآلات وقيمة حق البناء للحيلولة، وبالجملة فلا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من الهَدْم والانهدام من جهة التحاقها بالبيوع، ثم سواء جرى الإذْنُ في البناء بعوض، أو لاَ بِعِوَضٍ، فيجب بيان قدر الموضع المبنى عليه طولاً وعرضًا، ويجب مع ذلك إن كان البناء على الجِدَارِ أو السَّطْحِ بيان سُمْك البناء وطوله وعرضه، وكون الجدران مُنْسَدة، أو خالية الأجَّواف، وكيفية السَّقْف المحمول عليها؛ لأن الغرض يختلف، ولا يحتمل الجدار أو السقف كُلّ شَيْءٍ، وحكى القاضي الرّوَيانِي وجهًا: أنه إذا أطلق ذكر البِنَاء كفى، وحمل على ما يحمله المبنى عليه، ولا يشترط التعرض لِوَزْنِ ما يبنيه عليه؛ لأنّ الإعلام في كل شيء على ما يليق به ويعتاد فيه، وعن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّدٍ أن بعضهم يشترطه، ولو كانت الآلات حاضرة أغنت مُشَاهَدَتُها عَنْ كُلِّ وَصْفٍ وَتَعْرِيفٍ، وإن أذن في البناء على أرضه لم يجب ذكر سُمْك البناء وكيفيته؛ لأنّ الأرض تحمل كُلَّ شَيْءٍ، وفيه وجه آخر يذكر مع