للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصحهما: عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَصَاحِب "التتمة" وغيرهما، أن له المطالبة؛ لأنه إن كان وكيلاً فحقه بَاقٍ عليه، وإن كان محتالاً فقد استرجعت مالَه ظُلْماً، فلا وجه لتضييع حَقّه، قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وما ذكرنا من وجوب التسليبم والوجهين في الرّجُوعِ من حيث الظَّاهِرِ، فأما بينه وبين الله -تعالى- فإنه إذا لم يَصِلْ إلى حَقِّه منك فله إمْسَاكُ المَأْخُوذِ؛ لأنه ظفر بجنس حقه من مِلْكِكَ، وأنت ظَالِمٌ لَه، وإن كان المقبوض تالفاً، فنقول الأكثرين: أنه إذا لم يكن التلف بتقصير مِنْكَ لا يضمن؛ لأنه وكيل بقولك، والوكيل أَمِين، وليس له أن يُطَالِبَكَ بحقه؛ لأنه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده، وقال في "التهذيب": إنه يضمن؛ لأنه قد ثبتت وكالته، والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن، وإن لم يقبض زيد ما على عمرو فليس له القبض بعد حَلفك؛ لأن الجوالة قد اندفعت بيمينك، وصار زيدٌ معزولاً عن الوكالة بإنكاره، ولك أن تطالب عَمْراً بما كان لَكَ عليه، وهل لِزَيْدٍ مطالبتك بِحَقِّه؟ فيه الوجهان المذكوران فيما إذا كان قد قبض وسلم المقبوض إليك، واستدرك صاحب "البيان" فقال: ينبغي أن لا يطالب هنا وجهاً واحداً، لاعترافه بأن حقه على عَمْروٍ، وأن ما تقبضه أَنْتَ مِن عمرو وليس حقاً له بخلاف ما إذا كان قَدْ قبض، فإن حقه قد تعين في المقبوض، فإذًا أخذته أخذتَ ماله.

الصورة الثانية: أن تفول لزيد: أحلتُكَ عَلَى عَمْروٍ، ويقول زيد: بل وكلتني بقبض ما عليه وَحَقِّي بَاقٍ عليك، ويظهر تصوير هذا الاختلاف عند إفْلاَسِ عَمْروٍ، فينظر إن اختلفتما في أصل اللفظ، فالقولُ قولُ زيدٍ مع يمينه، وإن اتفقتما على لفظ الحوالة، جرى الوجهان المذكوران في الصّورة الأولى هاهنا على العَكْسِ، فعلى المنسوب إلى ابنِ سُرَيْجٍ: القول قولك مَعَ يمينك، وعلى القول المنسوب إلى المُزَنِي وغيره: القول قَوْلُ زَيْدٍ والتوجيه مَا مَرَّ، فإذا قلنا: إن القولَ قوْلُكَ، فحلفت برئت ذِمَّتُكَ مِنْ دَيْنِ زَيْدٍ، ولزيد مطالبة عمرو إما بالوكالة أو الحَوَالة، وما يأخذه يكون له؛ لأنك تقول: إنه حقه، وعلى زعمه هو لك، وحقه عليك فيأخذه بِحَقه، وحيث قلنا: إن القولَ قولُ زَيْدٍ، فحلف نظر إن لم يكن قبض المال من عَمْروٍ فليس له القبض؛ لأن قول الموكل: ما وكلتك، يتضمن عزله لو كان وَكِيلاً، وله مطالبتك بِحَقِّه، وهل لَكَ الرجوع إلى عمْروٍ؟ فيه وجهان؛ لأنك اعترفت بتحول ما كان عليه إلى زيد، ووجه قولنا: نعم، وهو اختيار القَاضِي ابْنِ كِجٍّ أن زيداً إن كان وكيلاً فإن لم يقبض بقي حقك، وإن كان محتالاً فقد ظلمك بأخذ المال مِنْك، وما على عَمْرو حقه ذلك أن تأخذه عوضاً عما ظلمك به، وإن كان قد قبض المال من عَمْروٍ فقد برئت ذِمَّة عَمْرو، ثم إن كان المقبوض باقياً فقد حكى في "الوسيط" هاهنا وجهين:

أحدهما: أنه يطالبك بحقه ورد المقبوض عليك.

والثاني -وهو الصحيح-: أنه يملك الآن، وإن لم يملكه عند القبض لأنه حبس

<<  <  ج: ص:  >  >>