أحدهما: أنه يبرأ؛ لأن هذا إسقاط محض، فصار إذا كما عرف أن عبداً قطع عضواً من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفى عن القِصَاص يصح.
والثاني: لا؛ لأن المقصود حصول رضاه، والرضَا بمجهول لا يمكن، ويخالف مسألة القِصَاص؛ لأن العَفْوَ على القصاص مبني على التَّغْلِيب والسراية، وإسقاط المَظَالم غَيْر مبني عليه.
الصورة الثانية: ضمان أروش الجِنَايَاتِ صَحِيحٌ إن كان دراهم أو دنانير، وفي ضمان إبل الدية إذا لم نجوز ضمان المَجْهُول وجهان ويقال: قولان:
أحدهما: المنع؛ لأنها مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ وَاللَّوْنِ.
والثَّانِي: أنه صحيح أيضاً؛ لأنها معلومة السنن والعدد، والرجوع في اللون والصفة إلى غَالِبِ إِبل البَلَدِ، ولأن الضمان تِلْو الإبراء، والابراء عَنْهَا صَحِيح، هكذا الضَّمَان وهذَا الأَظْهَرُ ومنهم من قَطَعَ به، ثم إذا كان الضَّمَانُ بحيث يقتضي الرّجوع فيرجع بالحَيَوان أو بالقيمة؟ قال الإِمام: لا يمتنع أن يَجْرِي فيه الخِلاَف المَذْكُور في إقراض الحَيَوان، ولا يجوز ضَمَان الدية على العَاقِلة قبل تَمَامِ السَّنَةِ؛ لأنها غَيْرُ ثابتة بعد.
الثالثة: إذا منعنا ضَمان المَجْهُول، فلو قال: ضمنت مالك على فُلاَن من درهم إلى عشرة ففيه قولان على ما رواه الغَزَالِي والصَّيْدَلاَنِي، ووجهان على ما رواه الإمام وآخرون.
أحدهما: أنه لاَ يَصِح؛ لما فيه من الجَهَالة.
وأظهرهما: الصِّحَّة, ولأن المَنْعَ مِنْ ضَمَانِ المَجْهُولِ لما فيه من الغَرَرِ، وإذَا ثبتت الغاية الملتزمة فقد وطن نفسه عَلَيْهَا، وانتفى الغرر.
وإذا قلنا: بالصِّحَّة، وكان عليه عشرة أو أكثر، يلزمه عَشْرة إدخالاً للطريقين في الملتزم، أو ثمانية إخْراجاً لهما، أو تسعة إدخالاً للطرف الأَول (١)؛ لأنه مبدأ الالتزام فيه ثلاثة أوْجُه، سيعود مثلها في الإقرار، وقال في "التهذيب": والأصَحُّ الأول، ولو قال: ضمنت لك ما بين درهم وعشرة فإن عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة صَحَّ، وكان ضامناً لثمانية، وإن لم يعرف ففي صِحَّته في الثَّمَانِية قَوْلاَنِ أَو الوَجْهَان.
ولو قال: ضمنت لك الدَّرَاهِم التي لك على فُلاَن وهو لا يعرف مبلغها فهل يصح في ثلاثة لِدُخُولِهَا في اللفظ على كل حال؟ فيه وَجْهَان، كما لو قال: أجرتك كُل شَهْرٍ بدرهم، هل يصح في الشَّهْرِ الأَوَّل، وهذه المسائل بعينها جارية في الإبراء فإذَا عرفت
(١) قال النووي: الأصح تسعة. ينظر الروضة ٣/ ٤٨٥.