للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِلْم بمبلغ ذلك المَالِ؛ لأن الكَفَالَةَ بالبَدَنِ لا بِالْمَالِ.

وفيه وجه: أنه يشترط بناء على أنه لو مات غرم الكَفِيل مَا عليه، ويشترط أن يكون ذَلك المَالُ بحيث لو ضمنه لَصَحَّ، حتى لو تَكَفَّلَ إنسانٌ ببدن المُكَاتَبِ للنّجُومِ التي عليه لم يصح؛ لأنه لو ضَمِنَ النّجُوم لَمْ يَصِح فالكفالة بالبَدَنِ للنجوم أَوْلَى أَنْ تَصِح، ذكره العِرَاقِيُّونَ وغيرهم. أما إذا كَانَ عليه عقوبة، فينظر إن كانت من حقوق الآدميين كالقِصَاصِ، وَحَدّ القَذْفِ، فقد نَصَّ في اللعَانِ: أنه لا يضمن رَجُلٌ في حَدِّ ولا لِعَان، وعن نقل المُزَنِي في "الجامع الكبير" أنه قال: تجوز الكَفَالَةُ بِمَنْ عليه حَقٌّ أو حدٌّ، واختلف الأصْحَاب فيه على طرق:

أظهرها: ويحكى عن ابْنِ سُرَيْجٍ: أنه على قولين:

أحدهما: الجَوَاز؛ لأنه حَقٌّ لاَزِمٌ فأشبه المَالَ، ولأن الحضور مُسْتَحق عَلَيْهِ فجاز التزام إحْضَاره.

والثاني: المنع؛ لأن العُقُوباتِ مبنية على الدَّفعْ، فتقطع الذَّرائع المؤدية إلى تَوَسّعها، وعن الشَّيخِ أَبِي حَامِدٍ: بناء القولين على أنه إذا مَاتَ المكفول ببدنه هل يغرم الكَفِيل ما عليه من الدين؟

إن قلنا: نعم لم تصح الكفالة هاهنا, لأنه لم يمكن مؤاخذته بما عليه. وإن قلنا: لا، صَحَّت كما لو تكفل بِبَدَنٍ مَنْ عليه مَال، وقضية هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظْهَر، وهو اخْتِيَار القَفَّال وَصَاحِبِ الكِتَابِ، وادعى القَاضِي الرّويَانِي أن المَذْهَبَ المَنْع.

والطَّرِيق الثَّاني: القطع بالجواز، وحمل ما ذكره في اللّعان على الكَفَالة بِنَفْسِ الحَدّ.

والثَّالِثُ: القطع بالمَنْع؛ لأنه لا تجوز الكَفَالة بِمَا عَلَيْهِ، فلا تجوز الكَفَالة بِبَدَنِهِ، رواه القَاضِي الرّوَيانِي في اللّعَانِ، وإن كانت العقوبةُ مِن حُدودِ الله -تعالى- فالمشهور أنه لاَ تَصِح الكَفَالَةُ بِبَدَنِهِ؛ لأنها للتوثيق وحدود الله -تعالى- يسعى في دَفْعِها ما أمكن، وعن أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَابْنِ خَيْرَانَ: طرد القولين فيه، والخلاف في هذا الباب شبيه بالخلاف في ثُبوت العقوبات بالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَةِ، وكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي، هذا حكم من عليه مال أو عقوبة، وضبط الإمام والمصنف من يكفل بِبَدَنِهِ بما يدخل فيه هذان وغيرهما، فقال: حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه، وبكل من يلزمه حضوره مَجْلِس الحُكْم عند الاستعداء، أو يستحق إحضاره تَجُوز الكفالة ببدنه، ويخرج على هذا الضبط صور:

<<  <  ج: ص:  >  >>