قال الرَّافِعِىُّ: المقصود، الكلام في صيغة الضَّمَان، وما يقترن بها من الشّروطِ والتعليقات، وفيه مسائر نضرب فيها كلُ واحد من ضَمَان المَال، وكفالة البَدَنِ بِسَهْم.
الأولى: لاَ بُدّ من صيغةٍ دَالةٍ على التزام كقوله: ضمنت لَكَ مَا عَلَى فلان، وأنا بهذا المَالِ أو بإِحْضَار هذا الشَّخْص كَفِيل أو ضَامِن أو زَعِيم أو حَمِيل أَوْ قَبِيل، وفي "البيان" وجه في لفظ القبيل أنه لَيْسَ بِصَرِيحٍ، ويطرد في الحَمِيل وما ليس بِمَشْهُورٍ في العقد، ولو قال: خل عن فلان والدَّيْن الذي لَك عندي فهذا لَيْسَ بِصَرِيح في الضّمان خلافاً لأبي حنيفة، فيما رواه صاحب "البيان"، وذكره وجهين فيما إذا قال: دين فلان إليّ (١)، ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشَّخص فهذا ليس بالتزام، وإنما هو وَعْد، ولو كان قد تكفل بِبَدنِ إنسان فابرأَه المكفول له، ثم وجده ملازماً للخَصْم، فقال: خله، وأنا على ما كُنْتُ عليه من الكَفَالة حكم ابْنُ سُرَيْجٍ بكونه كفيلاً؛ لأنه إما مبتدئ بالكَفَالة بهذا اللَّفظ أو مخبر عن كفالة واقعة بعد البراءة.
الثَّانية: لو شرط الضَّامِن الخيار لنفسه لَمْ يَصِح؛ لأنه ينافي مَقصود الضَّمَان، ولا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فإن الضَّامن على يقين من الغُرْم، ولو شرط الخِيَار للمضمون له لَمْ يَضُر، لأن الخيرة في الإبراء، والمُطَالبة إليه أبداً، وكذا الحُكْم في الكَفَالَةِ وعن أَبِي حَنِيفَة أن شرط الخِيَار لا يبطلها لكنه يَلْغُو.
ولو علق الضَّمان بوقت أو غيره فقال: إذا جاء رأس الشَّهْر فقد ضمنت أو إن لم يؤد مالك غداً، فأنا ضَامِن لَمْ يَصِح؛ لأنه عقد من العقود فلا يقبل التَّعْلِيق كالبيع
(١) قال النووي: أقواهما ليس بصريح. ينظر الروضة ٣/ ٤٩٣.