للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قال: اشتر لي عبداً كما تشاء، فظاهر رأي الشيخ أَبي مُحَمَّدٍ تجويزه؛ لأنه صرح بالتفويض التام، بخلاف ما إذا اقتصر على قوله: اششر لي عبداً، فإنه لم يَأْتِ ببيان معتادٍ، ولا تفويض تام، يكتف الأكثرون بذلك، وفرقوا بينه وبين أن يقول في القِرَاضِ: اشتر مَنْ شئت من العبيد؛ لأن المقصود هناك الربح بنظر العامل، وتصرفه، فيليق به التفويض إليه، وفي التوكيل بشراء الدار يجب التعرض للمحلّة والسّكة (١)، وفي الحانوت للسوق، وعلى هذا القياس (٢). ومنها: لو وكله بالإبراء.

قال القاضي الحُسَيْنُ: إذا عرف الموكل مبلغ الدين كفى ذلك، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّين وجنسه، وهذا هو الذي أورده في الكتاب.

وقال في "المهذب" و"التهذيب": لا بد من أن يبين للوكيل قَدْرَ الدَّين، وجنسه، والأشبه الأول، ويخالف ما إذا قال: بع عبدي بما باع به فلان فرسه، يشترط لصحّة البيع علم الوكيل؛ لأن العهدة تتعلّق به، فلا بُدَّ وَأَنْ يكون على بصيرة من الأمر، ولا عهدة في الإبراء، ولو كان الموكل جاهلاً بقدر ما باع به فلان فرسه لم يضر.

وأما قوله في صورة الإبراء: "ولا علم من عليه الحق"، فاعلم أن فيه خلافاً مبنياً على الأَصل الذي مر في "كتاب الضَّمَان" وهو أن الأبراء مَحْضُ إسقاط، أو تمليك، فإن قلنا: إسقاط صح مع جهل مِنْ عليه الحق بمبلغ الحق.

وإن قلنا: تمليك، فلا بد من علمه، كما أنه لا بد من علم المهب بما وهب، فإذاً قوله: "ولا علم من عليه الحق" ينبغى أن يعلم -بالواو- وكذلك قوله: علم الوكيل -بما قدمناه.

وقوله: " يستدعي علم الموكل " يجوز إعلامه -بالواو- أيضاً؛ لأنا إذا صححنا الإبراء عن المجهول لا نعتير علم الموكل أيضاً، ثم ينظر في صيغة الأبراء، فإن قال: أبرئ فلاناً عن دَيني، أو أبرئه عن الكل.

وإن قال: عن شيء منه أو أبرئه عن قليل منه.

وإن قال: عما شئت أبرأ عما شاء، وأبقي شيئا (٣).


(١) لأختلاف الغرض بذلك، والمحلة هي الحارة، والسكّة بكسر السين هي الزقاق قاله الجوهري، وقد فهم من تعبير المحلة تعيين البلد بالضرورة.
(٢) ومن ذكر الثمن الوجهان.
(٣) قوله: أبرئه عن قليل منه، يعني أقل ما ينطلق عليه اسم الشيء، كذا صرح به في "التتمة"، وهو واضح. ولو قال: أبرئه عن جميعه، فابرأه عن بحضه، جاز، بخلاف ما لو باع بعض ما أمره ببيعه. ينظر الروضة ٣/ ٥٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>