للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصوداً، وإنما يقتنى السليم دون المعيب. وقال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: يجوز للوكيل شراء المعيب، فلو خالف ما ذكرناه، واشترى المعيب نظر، إنْ كان مع المعيب يساوي ما اشتراه به، فإن جهل العيب وقع عن الموكل، وإن علمه فثلاثة أوجه:

أظهرها: أنه لا يقع عنه لتقييد الإذن بالسليم.

الثاني: يقع, لأنه لا نقصان في المالية، والصيغة عامة.

الثالث: يفرق بين ما يمنع من الأجزاء في الكفارة إذا كان المبيع عبداً وبينما لا يمنع حملاً؛ لقوله: اشتر لي رقبة على ما حمل عليه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢]. قال الإمام -رحمه الله تعالى-: وصاحب هذا الوجه، يستثنى الكفر، فإنه يمنع من الأجزاء في الكفارة.

ويجوز للوكيل شراء الكافر، وإنْ لا يساوى ما اشتراه به، فإن علم لم يقع عن الموكل، وإن جهل فوجهان:

أصحهما: عند الإمام أنه لا يقع أيضاً عنه؛ لأن الغبن يمنع الوقوع عن الموكل سلامة المبيع، وإن لم يعرف الوكيل، فعند العيب أولى وأوفقهما لكلام الأكثرين أنه يقع عنه، كما لو اشترى لنفسه جاهلاً، ويفارق مجرد الغبن، فإنه لا يثبت الخيار، فلو صح البيع، ووقع عن الموكل للزم، ولحقه الضرر، والعيب يثبت الخيار، والحكم بوقوعه عنه لا يورطه في الضرر، وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل، فينظر إن كان الوكيل جاهلاً فللموكل الرد إذا أطلع, لأنه المالك.

وإما الوكيل، فعن صاحب "التقريب" رواية وجه عن ابْنِ سُرَيْجٍ أنه لا ينفرد بالرد؛ لأنه كان مأذوناً في الشراء، دون الفتح الفسخ، وظاهر المذهب أنه ينفرد به لمعنيين:

أحدهما: أنه أقامه مقام نفسه في هذا العقد، ولو لحقه.

والثاني: أنه لو لم يكن له الرد إلى استئذان الموكل، فربما لا يرضى الموكل، فيتعذر الرد لكونه على الفور، ويبقى المبيع كلاًّ على الوكيل، وفيه ضرر ظاهر، وهذا هو المعتمد عند الأصحاب، لكن فيه إشكال؛ لأنا لو لم تثبت له الرد لكان كسائر الأجانب عن العقد، فلا أثر لتاخره، وأيضاً فإن مَنْ له الرد قد يعذر في التأخير لأسباب داعية إليه، فهلا كانت مشاورة الموكل عذراً، وأيضاً فإنه وإِنْ تعذر منه الرد، فلا يتعذر بنفس الرد؛ إِذ الموكل يرد إذا كان قد سماه في العقد، أو نواه على أن في كون المبيع للوكيل، وفي الرد منه بتقدير تعذر كونه له خلافاً، وسيأتي جميع ذلك في الفصل، وإن كان الوكيل عالماً، فلا رد له، وفي الموكل وجهان:

أحدهما: أنه لا رد له أيضاً؛ لأنه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد والأخذ،

<<  <  ج: ص:  >  >>