منها: أصل العقد، فهذا قال: وكلتني في كذا، فأنكر، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الإذن، ولو توافقا على أصل العقد، واختلفا في بعض الكيفيات، أو المقادير، كما إذا قال: وكلتني بيع كله، أو بيعه نسيئه، أو بشرائه بعشرين وقال الموكل: لا بل، بيع بعضه، أو بيعه نقداً أو بشرائه بعشرة، فالقول قول الموكل أيضاً؛ لأن الأصل عدم الإذن فيما يدعيه الوكيل، والموكل أعرف بحال الإذن الصادر منه، ولأنه لما كان القول في أصل العقد قوله، وجب أن يكون في الصفة والمقدار كذلك، كما أن الزوجين إذا اخلتفا في عدد الطلاق كان القول فيه قول الزوج؛ لأنهما لو اختلفا في أصله كان القول فيه قوله، وفرقوا بينه وبين ما إذاَ قطع الخياط ثوب غيره قباء وقال: كذلك أمرتنى، وقال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصاً، حيث كان القول قول الخياط على قول، مع أنهما لو اخلتفا في أصل الإذن كان القول قول المالك، بأن المالك هناك يريد إلزام الخياط الأرش، والأصل عدمه وهاهنا الموكل لا يلزم الوكيل غرامة، وإن لزمه الثمن، وإنما يلزمه بحكم إطلاق البيع على ما سيأتي.
إذا تقرر ذلك، فلو وكله بشراء جارية، فاشتراها الوكيل بعشرين، وزعم أن الموكل أذن فيه، وقال الموكل: ما أذنت إلا في الشراء بعشرة، وحلفناه فحلف، فينظر في الشراء أكان بعين مال الموكل أم في الذمة؟ إن كان بعين مال الموكل، فإن ذكر في العقد أن المال لفلان والشراء له، فهو باطل؛ لأن المال في يده لم يتعلق به حق الغير قبل الشراء، فيقبل إقراره فيه، وحينئذ يكون العقد واقعاً بمال الغير وقد ثبت بيمين مَنْ له المال أنه لم يأذن في الشراء الذي باشره الوكيل، فيلغو، فإن لم يذكره في العقد وقال بعد الشراء: إني اشتريت له، فإن صدقه البائع، فالعقد باطل أيضاً، وإذا أبطل الشراء كانت الجارية باقية على ملك البائع، وعليه رد ما أخذه، وإن كذبه البائع، وقال: إنما اشتريت لنفسك، والمال لك حلف على نفي العلم بالوكالة، وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر، وسلم الثمن المعين إلى البائع، وغرم الوكيل مثله للموكل.
وإن كان الشراء في الذمة، نظر إن لم يسم الموكل، ولكن نواه كانت الجارية للوكيل، والشراء له ظاهراً، وإن سماه، فإن صدقه البائع بطل الشراء، لاتفاقهما على كونه للغير، وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه وإن كذبه البائع، وقال: أنت مبطل في تسميته، فيلزم الشراء الوكيل، ويكون كما لو اقتصر على النية، أو يبطل الشراء من أصله؟ فيه وجهان، سبق ذكرهما في أخوات هذه الصورة:
والأظهر: وبه قال أبو إسْحَاقَ: صحته ووقوعه للوكيل ظاهراً، وحيث صححنا الشراء، وجعلنا الجارية للوكيل، وزعمه أنها للموكل قال المُزَنِيّ عن الشَّافعي -رضي الله عنه-: يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالموكل فيقول له: إن كنت أمرته أن