وفيه وجه ثالث: أنه إن كان التوقف إلى الاشهاد يورث تأخيرًا أو تعويقًا في التسليم لم يكن له الامتناع، وإلًّا فله ذلك، وإن كان ممن لايقبل قوله كالغاصب، فإن كان عليه بينة بالأخذ، فله الامتناع إلى الإشهاد؛ لأنه يحتاج إلى بينة الأداء إن توجهت عليه بينة الأخذ، وإن لم تكن عليه بينة بالأخذ فوجهان:
وأصحهما عند صاحب "التهذيب": أن له أن يمتنع إلى الإشهاد؛ لأن قوله في الرد غير مقبول والثاني: المنع؛ لأنه يمكنه أن يقول: ليس عندي شيء، ويحلف عليه، هذا ما أورده المشايخ العراقيون، والمديون في هذا الحكم، كمن لا يقبل قوله في رد الأعيان.
قال الرافعي: إذا كان له دَيْن في ذمة غيره، أو عين في يد غيره، فأتى ذلك الغير إنسان، وقال: أنا وكيل بقبضة، فله حالتان:
إحداهما: أن يصدقه في دعوى الوكالة، فله دفعه إليه، وإذا دفع، ثم ظهر المستحق، وأنكر الوكالة، فالقول قوله مع يمينه، فإذا خلف، فإن كان الحق عينًا أخذها، فإن تلفت فله تغريم من شاء منهما, ولا رجوع للغارم منهما على الآخر؛ لأنه مظلوم بزعمه، والمظلوم بزعمه، والمظلوم لا يؤاخذ إلاَّ من ظالمه.
قال في "التتمة": هذا إذا تلف من غير تفريط منه، فإن تلف بتفريط من القابض، فينظر إن غرم المستحق القابض فلا رجوع، وإن غرم الدافع، فله الرجوع؛ لأن القابض وكيل عنده، والوكيل يضمن بالتفريط، والمستحق ظلمه بأخذ القيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه بحقه.
وإن كان الحق دينًا، فله مطالبة الدافع بحقه، إذا غرمه.
قال المتولي: إن كان المدفوع باقيًا، فله استرداده، وإن صار ذلك للمستحق في زعمه؛ لأنه ظلمه بتغريمه، وذلك مال له ظفر به، وإن كان تالفًا، فإن فرط فيه غرم، وإلاَّ فلا، وهل للمستحق مطالبة القابض، ينظر إنْ تلف المدفوع عنده فلا؛ لأن المال للدافع بزعمه، وضمانة له، وإن كان باقيًا فوجهان:
عن أَبي إِسْحَاقَ أن له مطالبته بتسليمه إليه؛ لأنه إنما دفعه ليدفعه إلى المستحق،