للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به عظم خطره، يكفر مستحله، أو وزر غاصبه، والخائن فيه.

وقد قال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أصل ما أبني عليه الإقرار ألا ألزم إلاَّ اليقين، وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة (١).

وعن أَبِي حَنِيْفَةَ -رحمه الله- أنه لا يقبل في العظيم والكثير بأقل من عشرة دراهم، ويروى مائتا درهم وساعدنا في الجليل والنفيس والخطير.

وعن مالك -رحمه الله- أنه لا يقبل التفسير بأقل مما تقطع فيه يد السارق، وذهب بعض الأصحاب فيما حكاه القَاضِي الحُسَيْنُ وغيره إلى أنه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظيم فائدة واكتفى بعضهم بالعظيم من حيث الجرم والجثة.

ولو قال: عليَّ مال قليل، أو حقير، أو خسيس، أو طفيف، أو تافه، أو نذر، أو يسير، فهو كما لو قال: مال، وتحمل هذه الصفات على استحقار الناس إياه، أو على أنه فَانٍ زائل، فكثيره بهذا الإعتبار قليل، وقليله بالأعتبار الأول كثير.

وقوله في الكتاب: "وحمل على عظم الرتبة بالإضافة" يجوز كان يريد به الإضافة إلى الوزر والعقو به، ويجوز أن يريد لإضافته إلى أحوال الناس، وطباعهم، فقد يستعظم الفقير ما يستحقره السري.

الثالثة: قال: لزيد على مال أكثر مما لفلان قبل تفسيره، بأقل ما يتمول، وإن كثر


(١) قال الشيخ أبو علي: ما غلب على الناس، وقال الخطيب: والمراد باليقين في كلامه ما يشمل الظن القوي كما قاله الهروي وغيره، فالشافعي يلزم في الإقرار باليقين وبالظن القوي لا بمجرد الظن والشك وشذَّ عن هذا الأصل الذي ذكره الشَّافعي -رضي الله عنه- مسائل:
منها: لو أقر لابنه بعين فيمكن تنزيل الإقرار على البيع وهو سبب قوي يمنع الرجوع ويمكن تنزيله على الهبة فلا يمنع الرجوع فأفتى أبو سعد الهروي بإثبات الرجوع تنزيلاً على أقل السببين، وأفتى أبو عاصم العبادي بعدم الرجوع لأن الأصل بقاء الملك للمقر له، وناظره أبو سعد فقال: التعلق بالأصل الأولى أولى من الثاني.
والقياس أن الإقرار المطلق لا يحكم به للمقر له، ووافق الماوردي والقاضي أبو الطيب أبا سعد، وقال الرافعي، ويمكن أن يتوسط فيقال إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالأمر كما قال القاضيان، وإن أقر بالملك المطلق، فالأمر كما قال العبادي، وصحح المصنف هنا وفي فتاوى قول الهروي.
ومنها: لو أقر لحمل أو مسجد وأطلق فلم يضفة إلى جهة تقتضي الصحة ولا إلى ما يقتضي البطلان، فالاصح الصحة ويحمل على الجهة الممكنة في حقه كما تقدم.
ومنها: لو أقر بدراهم ثم فسرها بناقصة عن الدرهم الإسلامي فإن كان في بلد دراهمه تامة فطريقان الأصح القبول كما تقدم ذكر ذلك من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>