أَبُو إِسْحَاقَ في العارف بالعربية، وخصص اختلاف الطرق، وتفرق الأصحاب بغيره، ولو قال كذا وكذا درهم بالرفع فطريقان:
أحدهما: طرد القولين؛ لأنه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما وإن أخطأ في إعراب التفسير.
وأصحهما: القطع بأنه لا يلزمه إلاَّ درهم واحد، لما سبق، وكذا لو قال: كذا وكذا درهم بالخَفْضِ لم يلزمه إلاَّ درهم واحد، ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شيء، وبعض درهم أو لا يلزمه إلاَّ بعض درهم، ولو قال: كذا وكذا وكذا درهمًا.
فإن قلنا: لو ذكر مرتين لزمه درهمان، فهاهنا يلزمه ثلاثة.
وإن قلنا: يلزمه درهم، فكذلك هاهنا.
وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله: "ثم كذا درهمًا يلزمه درهم واحد بالحاء والواو -كما ذهب إليه أبُو إِسْحَاقَ وكذا قوله: "ولو قال: كذا وكذا درهمًا". ويجوز إعلام قوله: فهما درهمان وقوله أنه درهم في مسألة كذا وكذا درهمًا بهما أيضًا.
وقوله: "وهذا في قوله: درهمًا بالنصب" أي موضع القولين ذلك، فأما إذا رفع فأصح الطريقين القطع بلزوم درهم.
قال الغزالي: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ ودِرْهَمٍ فالألْفُ مُبْهَمٌ وَلَهُ تفسيره بِمَا شَاءَ، بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، أَوْ أَلْفٌ ومائة وخَمْسَةٌ وِعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّ الدِّرْهَمَ لَمْ يثْبُتْ بِنَفْسِهِ فَكَانَ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ وَلَوْ قَالَ: دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ فَفِي النِّصْفِ خِلاَفٌ.
قال الرافعي: إذا قال: لفلان عليَّ ألف ودرهم أو دراهم، أو ألف وثوب، أو ألف وعبد، فهذا عطف مبين على مبهم، فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف.
وقال أَبُو حَنِيْفَةَ رحمه الله: إنْ كان المعطوف مكيلاً أو موزونًا أو معدودًا، يفسر الألف به، وإن كان متقومًا كالثوب، والعبد بقي على إبهامه.
لنا القياس على ما سلمه، وعن مالك رحمه الله مثل مذهبنا.
واختلف أصحاب أحمد: فمنهم: من ساعدنا.
ومنهم: من قال: يفسر بالمعطوف بكل حال. ولو قال: خمسة عشر درهمًا، فالكل دراهم؛ لأنه لا عطف، وإنما هما اسمان جعلاً واحدًا، فالمذكور تفسير له.
ولو قال خمسة وعشرون درهمًا، فظاهر المذهب أن الكل دراهم؟ لأن لفظ الدراهم فيه لا يجب به شيء زائد، بل هو تفسير لبعض الكلام، والكلام يحتاج إلى التفسير، فيكون تفسيرًا للكل.