أما إذا قلنا: كالبينة، فتنتزع الدار من الأول، وتسلم إلى الثاني، ولا غرم عليه للأول، وعلى هذا فله التحليف.
وإن قلنا: لا يغرم القيمة، لو أقر للثاني طمعًا في أن ينكل، فيحلف المدعي، ويأخذ العين، وإن قال المقر: لا أدري من أيكما غصبت، وأصر عليه فإن صدقاه، فالعين موقوفة بينهما حتى يتبين المالك، أو يصطلحا، وكذا إن كذباه، وحلف لهما على نفي العلم، هذا ظاهر المذهب في الفرع، وللشيخ أَبِي عَلِي فيه تطويل في "شرح الفروع" لكنه لم يتنقح لي تنقيح كلامه، فتركته والله اعلم بالصواب.
قال الرافعي: الكلام من هذا الموضع إلى آخر الباب في الاستثناء، وهو جائز في الإقرار والطلاق وغيرهما، بشرط أن يكون متصلاً، ولا يكون مستغرقًا فإن سكت بعد الإقرار [طويلاً] أو تكلم بكلام أجنبي عما هو فيه، ثم استثنى لم ينفع الاستثناء (١).
ولو استغرق، فقال؛ عشرة إلاَّ عشرة، فعليه العشرة؛ لأن هذا الاستثناء غير منتظم في البيان، ولو قال: على عشرة إلاَّ تسعة، أو سواء واحد، صح الاستثناء، ولزمه في الصورة الأولى درهم، وفي الثانية تسعة، ولا فرق بين استثناء الأقل من الأكثر، وبين عكسه. وعن أحمد أنه لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل.
فقوله في الكتاب:"يلزمه واحد" يصح إعلامه بالألف لذلك، ويصح إعلامه بالميم؛ لأن في "التتمة" أن مالكًا لا يصح عنده استثناء الآحاد من العشرات، ولا المئين من الألوف، وإنما يصح استثناء العشرات من المئين، والألوف.
وفي "الذخيرة" للبندنيجي أن مالكًا لا يصح الاسثناء في الإقرار أصلاً، ثم الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات؛ لأنه مشتق من الثنى، وهو الصرف، والصرف إنما يكون من الإثبات إلى النفي، وبالعكس، فلو قال؛ عليَّ عشرة إلاَّ تسعة إلاَّ ثمانية فعليه تسعة، المغنى إلاَّ تسعة لا يلزم إلا ثمانية فتلزم فتكون الثمانية والواحد
(١) هكذا قال أصحابنا إن تخلل الكلام الأجنبي سيبطل الاستثناء، وقال صاحبا "العدة" و"البيان": إذا قال: عليّ ألف -أستغفر الله- الأمانة صح الاستثناء عندنا خلافًا لأبي حنيفة -رضي الله عنه-. ودلينا أنه فصل يسير فصار كقوله: عليَّ ألف -يا فلان- الأمانة، وهو الذي نقلاه فيه نظر (ينظر الروضة ٤/ ٥٣).