واعلم أنَّ الاعتبار فيما ذكرنا بحالة استقرار القَدَمَيْنِ في مقرّهما من الخُف، حتى لو أدخل الرجلين في ساق الخف قبل أن يغسلهما، وغسلهما في الساق، ثم أدخلهما موضع القدم جاز له المسح؛ لأنه حين استقرتا في مقرّهما على كمال الطهارة، ولو ابتدأ اللّبس، وهو متطهر، ثم أحدث قبل أن وصلت الرجل إلى قدم الخف، لم يَجُزِ المسح، نص عليه في الأم، وذكر فيه أنه إذا مسح على الخُفَّيْنِ بشرطه، ثم أزال قدمه من مقرها، ولم يظهر من محل الفرض شيء، فلا يبطل المسح، وقياس الأول أن يبطل، لكن الفرق إن الأصل عدم المسح، فلا يباح إلا باللّبس التَّام، وإذا مسح فالأصل استمرار الجواز، ولا يبطل إلا بالنَّزع التام.
ونقل القاضي أبو حامد، أنه يبطل المسح في الصورة الثانية، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري، كما أنه في الابتداء لا يمسح، وفي الصورة الأولى إيضاحه، أنه يجوز المسح إذا ابتدأ اللبس على طهارة، ثم أحدث قبل أن تستقر الرجلان في موضعهما.
وفرض القاضي حسين المسألة، فيما إذا أحدث وقد أدخل بعض قدمه في مقرها، والباقي في ساق الخف. وقال: اختلفوا في صورتي الابتداء والانتهاء، في أن حكم البعض هل هو حكم الكل أم لا. وقوله في الكتاب:"على طهارة تامة قوية" لفظ التامة معلم بالحاء والزاي، لما حكيناه، واحترز به عما إذا غسل إحدى رجليه، وأدخلها الخف، ثم الثانية، وأدخلها الخُفِّ، وعما إذا لبسهما ثم صب الماء في الخف حتى انغسلتا ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى قيد التمام، لأن من لم يغسل رجليه، أو إحداهما ينتظم أن يقال: إنه ليس على الطَّهارة، وأما قيد "القوة" فالغرض منه الاحتراز عن طهارة المستحاضة، وما في معناها.
قال الرافعي: إذا توضَّأَتِ المُسْتَحَاضة، ولبست الخفين، ثم أحدثت حدثًا غير حدث الاستحاضة، فهل لها أن تمسح على الخف؟ فيه وجهان، نسبهما الشيخ أبو علي إلى تخريج ابن سريج:
أحدهما: لا، لأن وضوءها ضعيف ناقص (١)، وإنما يجوز المسح بعد طهارة