ومن هذا الضرب غنية، فإذا كان المشتري في بلدة، والشفيع في غيرها، فعلى الشفيع أن يخرج طالبًا كما بلغه الخبر، أو يبعث وكيلًا إلاَّ أن يكون الطريق مخوفًا، فيجوز التأخير إلى أن يجد رُفْقَة وثيقة يصحبها هو أو وكيله، أو يزول الحَرَّ المفرط، أو البرد المفرط، فإذا أخر لذلك، أو لم يمكنه المسير بنفسه، ولا وجد وكيلاً فليشهد على الطلب، فإن لم يشهد، ففي بطلان حقه الخلاف السابق، وأجرى ذلك في وجوب الإشهاد إذا سار في الحال، والظاهر هاهنا أنه لا يحب، ولا تبطل الشفعة بتركة، كما لو أنفذ وكيلاً. ولم يشهد يكتفي فيه بذلك، وليطرد فيما إذا كان حاضرًا في البلد، فخرج إليه، أو إلى مجلس الحكم، كما سبق في الرد بالعيب.
والضرب الثاني: ما ينتظر زواله عن قريب، بأن كان مشغولًا بطعام أو صلاة، أو قضاء حاجة، أو في حمَّام، فله الإتمام ولا يكلِّف قطعها على خلاف المعهود.
وفيه وجه: أن عليه قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة، ولو دخل وقت الأكل والصلاة، أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدّمها، فإذا فرغ طالب بالشفعة، ولا يلزمه تخفيف الصلاة، والاقتصار على أقل ما يجزئ.
ولو رفع الشفيع الأمر إلى الحاكم، وترك مطالبة المشتري مع حضوره جاز، وقد ذكرناه في الردِّ بالعيب.
ولو أشهد على الطلب، ولم يراجع المشتري والحاكم لم يكلُّف، خلافًا لأبي حنيفة.
وإن كان المشتري غائبًا، فالقياس أن يرفع الأمر إلى الحاكم، ويأخذ كما ذكرنا هناك، وإذا ألزمناه الإشهاد، ولم يقدر عليه، فهل يؤمر أن يقول: تملّكت الشفعة؟ فيه وجهان مَرَّ نظائرهما في الرد بالعيب.
وإذا تلاقيها في غير بَلَدِ الشِّقص، فأخر الشفيع إلى العود إليه بطل حقه؛ لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.
وقوله في الكتاب:"فإذا بلغه الخبر" أي خبر من يعتمد قوله "فلينهض عن مكانه طالبًا"، أي إما بنفسه أو بنائبه.
وقوله:"فإن لم يوكل مع القدرة بطل حقه" معلّم بالواو.