ولو قال: لم أكن أعلم بثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور، فهو كما مر في الرد بالعيب والله أعلم بالصواب.
قال الغزالي: وَلَوْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مَعَ العِلْمِ بِالشُّفْعَةِ بَطُلَ حَقُّهُ، فَإنْ لَمْ يَعْلَمْ فَقَولاَنِ مِنْ حِيْثُ إنَّهُ انْقَطَعَ الضَّرَرُ، وإنْ صَالَحَ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحَ، ثُمَّ إنْ كَانَ جاهِلًا فَفِي بُطْلاَنِ شُفْعَتِهِ خِلاَفٌ.
قال الرافعي: في هذه البقية مسألتان:
الأولى: إذا باع الشفيع نصيب نفسه من العقار أو وهب عالمًا بثبوت الشفاعة له بطل حقه.
أما إذا جعلنا الشفعة على الفور فظاهر.
وأما إذا جعلناها على التراخي، فلأن الشفعة إنما ثبتت لدفع ضرر سوء المشاركة ومؤنة المقاسمة، وإنما يلزم ذلك من التركة، فإذا باع نصيب نفسه، فقد أزال سبب الشفعة.
ولو باع بعض نصيبه حكى الشيخ أبُو عَلِيٍّ وغيره فيه قولين:
أحدهما: أن شفعته لا تبطل؛ لأنه لو لم يملك إلاَّ ذلك القدر ابتداءً لثبتت الشفعة فلذلك إذا بقيت إنتهاءً.
والثاني: تبطل لأنه إنما يستحق الشفعة بجميع نصيبه، فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بكل، كما لو عفا عن بعض الشِّقْص المشفوع، وهذا أظهر على ما ذكره الأمام وغيره، هذا إذا كان عالمًا.
أما إذا باع نصيبه جاهلًا بالشفعة، قال أكثرهم: فيه وجهان: وقال صاحب الكتاب قولان:
أحدهما: أنه على شفعته؛ لأنه كان شريكًا يوم البيع، ولم يرضَ بسقوط حق الشفعة.
وأشبههما: أنها تبطل لزوال سبب الشفعة، ولهذا لو زال عيب المبيع قبل التمكُّن من الرد، سقط حق الرد، ولو باع بعض نصيبه جاهلًا أطلق في "التهذيب" أن شفعته لا تبطل، والوجه أن يكون على الخلاف السابق إذا فرعنا على أنه لو باع الجميع بطلت شفعته (١).
(١) الأصح هنا على الجملة أنها لا تبطل لعذره مع بقاء الحاجة للمشاركة.