للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفاشاني (١). مقدمة أخرى اختلف الأصحاب في أن العقود عليه في الإجارة ماذا؟ فمن أبي إسحاق وغيره أن المعقود عليه العين ليستوفي منها المنفعة؛ لأنَّ المنافع معدومة، ومورد العقد يجب أن يكون موجوداً، وأيضاً فإن اللفظ مضاف إلى العين، أَلا تَرىَ أنّك تقول: أجرتك هذه الدار؟ وقال المعظم: العين غير معقود عليها؛ لأنّ المعقود عليه ما يستحق بالعقد، ويجوز التصرف فيه، والعين ليست كذلك، فإن المعقود عليه المنفعة، وبه قال أحمد وأبو حنيفة -رضي الله عنه- ومالك، وعليه ينطبق قول الجمهور أن الإجارة تمليك المنافع به بعوض، ثم حققوا ذلك بأن عين الثوب مثلاً تتعلّق به ثلاثة أمور:

أحدها: صلاحيته لأن يلبس.

والثاني: الفائدة الحاصلة باللبس كاندفاع الحر والبرد.

الثالث: نفس اللبس المتوسط بينهما، واسم المنفعة يقع عليهما جميعاً، ومورد العقد المستحق إِنما هو الثالث، ويشبه إلاَّ يكون ما حكيناه خلافاً محققاً، لأن من قال: المعقود عليه العين لا يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع، أَلاَ تَرىَ أنه قال: المعقود عليه العين لاستيقاء المنفعة؟ ومن قال: المعقود عليه المنفعة لا يقطع الحق عن العين بالكلمة، بل له تسلم العين وإمساكها مدة العقد لينتفع بها.

وإذا عرفت هذه المقدمات فلإجارة تنقسم إلى صحيحة، وإلى غيرها، وإذا صحت ترتب عليها أحكام، ودامت إلى انتهاء مدتها إلاَّ أن يعرض ما يقتضي فسخاً أو انفساخاً، فالكلام في ثلاثة مقاصد أدرجها المصنف في ثلاثة أبواب:

أحدها: في أركان صحة الإجارة.

والثاني: في أحكامها إذا صحت.

والثالث: في العوارض المقتضية للفسخ والانفساخ.

أمَّا الباب الأول: فقد نخطر لك أولاً أنه ترجمه بأركان الصحة، فأضاف الأركان إلى الصحة، وكذلك فعل في القراض، وأضاف في البيع، وأكثر العقود الأركان إلى نفسها، فهل لذلك من سبب؟


(١) أبو طاهر، عمر بن عبد العزيز بن أحمد الفاشاني، بالفاء والشين المعجمة، قرية من قرى مرو. وكان إماماً فاضلاً، فقيهاً، متكلماً، عارفاً بالتواريخ، وأيام الناس ولكن غلب عليه علم الكلام حتى عُرف به، وقرأ على الشيخ أبي حامد، وقرأ علم الكلام على أبي جعفر السِّمْناني، قاضي الموصل، تلميذ الباقلانّي، وسمع وحدث. ولد سنة خمس وثمانين وثلثمائة، ومات بمرو سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ودفن بفاشان.

<<  <  ج: ص:  >  >>