عنها، ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الإبراء، بل يجب التسليم في المجلس، كرأس مال السلم؛ لأنه سلم في المنافع، فإن كانت الأجرة مشاهدة غير معلومة القدر، فهي على القولين في رأس مال السلم، ولا يجئ هاهنا الطريق الآخر، هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم بأن قال: أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فإن تعاقدا بلفظ الإجارة بأن قال: استأجرت منك دابة، صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان، بنوهما على أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى؟
أصحهما: عند العراقيين والشيخ أبِي عَلِيٍّ أن الحكم كما لو تعاقدا بلفظ السلم؛ لأنه في المعنى، وتابعهم صاحب "التهذيب" على اختيار هذا الوجه، لكنه لا يلائم مصيره فيما إذا أسلم بلفظ الشراء، إلى أن الأصح اعتبار اللفظ ولعلك تقول: حكيتم اختلاف الأصحاب في أن أصح الوجهين ماذا في السلم بلفظ الشراء، وكذلك فيما نحن فيه اختار مختارون اعتبار اللفظ وفيما إذا اشترى بلفظ السلم ذكرتم أن أظهر القولين بطلان العقد، والأئمة كالمتفقين عليه فهل من فارق؟
والجواب: أن المسائل التي بنوها على هذا الأصل كثيرة، لكنها متنوعة.
فمنها: أن يستعمل اللفظ فيما لا يوجد فيه تمام معناه، وإن كان بينهما بعض التشابه كالشراء بلفظ السَّلم، فإن تمام معنى السلم لا يوجد في البيع؛ لأنه أخص منه:
ومنها: أن يكون آخر اللفظ رافعاً لأوله كقوله: لا بلا ثمن.
ومنها: أن يكون الشيء. الأصلي اللفظ مشترك بين خاصين، يشتهر اللفظ في أحدهما، ثم يستعمل في الثاني، كالسلم بلفظ الشراء، فإن المعنى الأصلي للشراء موجود بتمامه في السلم إلاَّ، أنه اشتهر في شراء الأعيان، وكذلك السَّلم في المنافع بلفظ الاستئجار المشهور في إجارة العين، فيشبه أن يقال الصيغة مختلفة (١) في النوع الأول والثاني، ومنتظمة صحيحة الدلالة على المقصود في النوع الثالث، فيعتبر المعنى، ولا يخفى عليك بعد الشرح أن مسائل الكتاب في الفصل واقعة في النوع الأول من الإجارة. ويجوز أن تكون الأجرة منفعة عين أخرى اتفق الجنس، كما إذا أجَّر داراً بمنفعة دار أخرى، أو اختلفت كما إذا أجَّرها بمنفعة عبد، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا اتفق الجنس، بناء على أن الجنس الواحد يحرم النَّسَاءِ، وفي الإجارة نَسَاء.
وعندنا لا رِبَا في المنافع أصلاً، حتى لو أجَّرَ داراً بمنفعة دارين يجوز، وكذلك لو أجّر، حُلِيًّا ذهباً بذهب، ولا يشترط القبض في المجلس.