للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القلع فإنه يجوز إذا صعب الألم. وقال أهل البصر: إنه يريح الألم.

وأمَّا القطع فلا بد وأَن يذكر أهل الصنعة أَنه نافع، وأن مع ذلك ففي جوازه خلاف عن حكايته الشيخ أَبي محمد المنع، أَن القطع إِنما يمنع إذا وضعت الحديدة على محل صحيح، وأَنه مهلك، كما إن الأكله مهلكة، وهذا الخلاف وما في جِواز القطع من التفصيل مذكور في الكتاب في (باب ضمان الولاة) فحيث لا يجوز القطع والقلع، فالاستئجار لهما باطل، وحيث يجوز ففي صحة الإِجارة وجهان:

أَحدهما: المنع؛ لأَن الإجارة إِنما تجوز في عمل موثوق به، وجواز زوال العلّة محتمل فيمتنع الوفاء بقضية الإجارة، وسبيل مثل هذا الغرض أَن يحصل بالجعالة بأن يقول: اقلع سني هذه، ولك كذا.

وأَصحهما: الصحة، إذ لا يشترط لصحة الإجارة القطع بسلامتها عما يقطعها.

ورأى الإمام تخصيص الوجهين بالقلع لا أن احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القلع (١) غير بعيد. وأما زوال الآكلة من زمان بأرباب القطع فإنه غير محتمل، وأجرى الخلاف في الاستئجار للفَصْد، والحجَامة، وبزع الدابة؛ لأَن هذه الإيلامات إنما تباح بالحاجة، وقد تزول الحاجة. وإذا استأجر امرأَة لكنس مسجد فحاضت، انفسخ العقد، إِن وردت الإجارة على عينها وعينت المدة، وإن وردت على الذمة لم تنفسخ، لإمكان أن تفوضه إلى الغير، وأَن تكنس بعد أَن تطهر.

وإذا جوزنا الاستنجار لقلع السن الوجعة فأستأجر له ثم سكن الوجع، انفسخت الإجارة لتعذر القلع، وهذا قد ذكره مرة أُخرى في الباب الثالث، وسنذكر هناك ما يقتضي إِعلام قوله: "انفسخت الإجارة" بالواو وإن لم يبرأ، لكن امتنع المِستأجر من قلعه. قال في "الشامل": لا يجب عليه إلاَّ أنَّه إذا سلم الأَجير نفسه، ومضى مدة إِمكان العمل، وجب على المستأْجر الأُجرة، ثم ذكر القاضي أبَو الطَّيب أَنها لا تستقر حتى لو انقلعت تلك السن، انفسخت الإِجارة، ووجب رد الأُجرة، كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأها الزوج ويفارق ما إِذا حبس الدابة مدة إِمكان السير حيث تستقر عليه الأُجرة لتلف المنافع (٢).


(١) في ط القطع.
(٢) قال النووي: هذا الذي نقله عن صاحب "الشامل" إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب، هكذا هو في "الشامل" و"البيان". فإن قيل: قد قال الشيخ نصر المقدسي في "تهذيبه": إذا امتنع المستأجر من قلعه، لم يكن له فسخ العقد، لكن يدفع الأجرة، وله الخيار بين مطالبته بقلعه، وبين تركه، كما لو استأجر ليخيط له ثوباً. قلنا: هذا الذي قاله، لا يخالف قول صاحب "الشامل". (ينظر الروضة ٤/ ٢٦٠/٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>