للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت من تَحِيض يوماً ومن تحيض خمسة عشر يوماً، وعن أبي عبد الله الزّبيري مثل ذلك وأما الطّهر فأكثره لا حد له، فقد لا ترى المرأة الدّم في عمرها إلا مرة، وأقله خمسة عشر يوماً، خلافاً لأحمد حيث قال: أقله ثلاثة عشر.

وعن مالك قال: ما أعلم بين الحَيْضَتَيْن وقتاً يعتمد عليه، وعن بعض أصحابه أن أقله عشرة أيام. لنا الرّجوع إلى الوجود، وقد ثبت ذلك من عادات النّساء.

وروى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لاَ تُصَلِّي" (١) أشعر ذلك بأقل الطّهر وكثر الحَيْضِ وغالب عادات النساء في الحيض ستٌ أو سبعٌ، وفي الطّهر باقي الشَّهر، وقد ورد به الحديث. قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَحَيْضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا أو سَبْعاً كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ" (٢)، وسيأتي ذلك من بعد.

وقوله: ومستند هذه التقديرات الوجود المعلوم بالاستقراء يعني ما ذكرنا أن المتبع في الحيض والأقل والأكثر ما وجد من عادات النِّساء بعد البحث الشافي فاعتمدنا ذلك واتبعناه، ولو وجدنا امرأة تحيض أقل من يوم وليلة على الاطِّراد، أو أكثر من خمسة عشر، وتطهر أقل من خمسة عشر فهل نتبع ذلك؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: نعم وذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني في جواب له، والقاضي حسين فيما حكى. ووجهه أنا بينا أن المتبع في هذه المقادير الوجود. فإذا وجدنا الأمر على خلاف ما عهدنا وجب اتباعه وقد تختلف العادات باختلاف الأهوية والأعصار.

والثاني: وهو الأظهر أنه لا عبرة به؛ لأن الأولين قد أعطوا البحث حقه، ولم ينقلوا زيادة ولا نقصاناً، وبحثهم أوفى واحتمال عروض دم فساد للمرأة أقرب من انْخِرَاقِ العادات المستمرة.

والثالث: أنه إن وافق ذلك مذهب واحد من السَّلَفِ صرنا إليه، وإلا فلا؛ لأنه تبين لنا بذلك أن ما وجدناه قد وجد قبل هذا، لكنه لم يبلغ الشَّافعي -رضي الله عنه-، والمذهب المعتمد هو الوجه الثاني، وعليه يفرع مسائل الحيض ويدل عليه الإجماع


(١) أخرجه البخاري (٣٠٤، ١٤٦٢) ومسلم (٧٩).
(٢) أخرجه الشافعي في "الأم" (١/ ٦٠) وأحمد في المسند ٦/ ٤٣٩ وأبو داود (٢١٨٧) والترمذي (١٢٨) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (٦٢٢) والدارقطني (١/ ٢١٤) (٤٨ - ٥٢) والبيهقي في السنن (١/ ٣٣٨) قال ابن الملقن: قال البخاري: حديث حسن، وقال الحاكم: له شواهد وخالف ابن مندة وابن حزم فضعفناه، وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عطيل، وهو مختلف في الاحتجاج به، قلت: لا يضره؛ لأن الأكثرين احتجوا به. انظر الخلاصة (١/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>