للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ دَابَّةٌ لَيسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ [فِيهِ] فَهُوَ حَلاَلُ أَكْلُه وَشُرْبُهُ وَالوُضُوءُ مِنْهُ" (١) ولأن الاحتراز عنها مما يعسر، وهذا الخلاف في غير ما نشؤه في الماء، وأما ما نشؤه فيه وليس له نفس سائلة فلا ينجس الماء بلا خلاف، فلو طرح فيه من خارج عاد الخلاف.

فإن قلنا: إنها تنجس الماء فلا شك في نجاستها. وإن قلنا: لا تنجس، فَهَلْ هِيَ نَجِسَةُ في نفسها؟ قال الأكثرون: نعم، كسائر الميتات، وهو ظاهر المذهب.

وقال القَفَّالُ: لا؛ لأن هذه الحيوانات لا تَسْتحِيلُ بالموت؛ لأن الاستِحَالَةَ إنما تأتي من قبل انحصار الدَّم وَاحتِبَاسِهِ بالموت في العروق واستحالته وتغيره، وهذه الحيوانات لاَ دَمَ لها، وما فيَها من الرُّطُوبَةِ كَرُطُوبَةِ النبات.

وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أنه لم يرتب الخلاف في النجاسة على الجديد، فقال: قيل: إنها نجست بالموت وعرفت أن هذه الحيوانات على ظاهر المذهب غير مستثناة عن الميتات، وإنما الاستثناء على قول القَفَّالِ (٢)، وأما جعله (٣) القول بعدم نجاسة الماء قوله الجديد: فإنما أخذه من إمام الحرمين وروى القاضي أبو المحاسن الروياني خلاف ذلك فسمى هذا القول القديم، والأكثرون أرسلوا ذكر القولين من غير تعيين جديد وقديم.

وأما ما ذكره في دود الطعام فإيراده يشعر بمغايرة حكمه لحكم ما ليس له نفس سائلة إشعارًا بينًا، وليس كذلك؛ بل من قال: بنجاسة ما ليس له نفس سائلة، صرح بأنه لا فرق بين ما يتولد من الطعام، كَدُودِ الخَلِّ وَالتُفَّاح وغيرهما، وبين ما لا يتولد منه كالذُّبَابِ، وَالخُنْفُسَاءِ وقالوا: ينجس الكل بالموت لكن لا ينجس الطعام الذي يموت فيه، كما ذكرنا في نجاسة ما نشؤه في الماء.


(١) أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان به، وفيه بقية بن الوليد، وقد تفرد به، وحاله معروف، وشيخه سعيد بن أبي سعيد الزبيدي مجهول، وقد ضعف أيضاً، واتفق الحفاظ على أن رواية بقية عن المجهولين واهية وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف أيضاً، وقال الحاكم أبو أحمد: هذا الحديث غير محفوظ، وفي "الطهور" لأبي عبيد عن ابن عيينة عن منبوذ عن أمه عن ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تمر بالغدير فيه الجعلان وفيه فيستقي لها فتشرب وتتوضأ. انظر التخليص ١/ ٢٨.
(٢) قال النووي: ولو كثرت الميتة التي لا نفس لها سائلة فغيرت الماء، أو المائع وقلنا: لا تنجسه من غير تغير فوجهان مشهوران. الأصح تنجسه لأنه متغير بالنجاسة. والثاني: لا تنجسه ويكون الماء طاهراً غير مطهر كالمتغير بالزعفران، وقال إمام الحرمين: وهو كالمتغير بورق الشجر. والله أعلم. الروضة ١/ ١٢٤.
(٣) في ب: وقوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>