للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورودُ الإتْلاف علَيْها، وعلَى هذا؛ فلو عَيَّب المكتري الدار، أو جرح العبد، كان كما لو تعيَّب بآفة سماويةٍ في ثُبُوت الخيار.

قال الإمام: وقد يختلج في الصَّدرْ خلافُة، لتضمُّن التَّعَيُّب الرِّضَا بالعيب.

ومنْها: انهدامُ الدار، والنصُّ أنه يقتضي الانفساخَ، ونصَّ فيما إذا اكتَرى أرضاً للزِّراعة، ولها ماءٌ معتادٌ، فانقطع أَنَّ له فسْخَ العقْد، واْختلفوا في النَّصَّيْن، فمنهم منْ نقَل وخَرَّج، وجعل المسأَلَتَيْنِ على قولَيْن:

أحدُهُما: انفساخُ الإجارة؛ لفَوَات المقصود، وهو السكْنَى ههنا، والزراعة هناك، فكان كموت العبد.

والثاني: المنع؛ لأن الأرْضَ باقيةُ والانتفاغ ممكنٌ من وجْهٍ آخر، ولكن يثبت به الخيارُ. ومنهم من قرر النصَّيْن، وفَرَق بأنَّ الدار لم تبعدَ داراً، والأرض بَقِيَتْ أَرْضاً، وأيضاً، فربما تُمْكِنُ الزراعةُ بالأمطار، وأشار بعضُهم إلى القَطْع بعدم الانفساخ، وحمل ما ذَكَره في الانهدام عَلَى ما إذا صارَتِ الدار تلاَّ غَيْرَ منتفع به بوجهٍ ما، وطريقةُ النَّقْل والتَّخريج أظهرُ عند الأصحاب، لكن الأظهر من القولَيْن في الانهدام الانْفِسَاخ، وفي انقطاع الماء ثُبُوت الخيارِ كما نصَّ عليه، وإنما يثبت الخيارُ، إِذا امتنعتِ الزراعة.

فأما إِذا قال المُكْرِي: أنا أسوقُ الماء إليها في موضَعٍ آخر، يسقط الخيار، كما لو بادر إلَى إصلاح الدار، فإن قلْنا: بالانفساخ، فالحكمُ على ما ذكرنا في مَوْتِ العبد،


= العاقدين، فلا أثر له؛ لأنه لا ينفسخ العقد بمرت أحدهما عندهم وفاقاً للجمهور، فلم يبق إلا خوف هلاك العين، وهو لا يتقدر بالخمسين أو الثلاثين والخمسة عشر وغيرها، إذ الأرض قد تبقى مئات السنين، والدار قد تبقى أكثر من الثلاثين بكثير، وكذا العبد قد يعين أكثر من الخمسة عشر، والذي يظهر أن هذا التقدير إنما هو تقريب لا تحديد، والمراد استئجار العين إلى مدة تبقى فيها غالباً، كما يقول الجمهور.
وقد وجه الجمهور ما ذهبوا إليه من عدم تحديد المدة إلا بما تبقى فيه العين المستأجرة غالباً، بأن عقد الإجارة لازم لا ينفسخ بموت العاقدين أو أحدهما مع سلامة العين المؤجرة، وقد أعطاهما العقد حسن الانتفاع بما صار إليهما، فالمؤجر بالأجرة، والمستأجر بالعين، وما ثبت لهما من الحقوق يورث عنهما، فلا مانع من إطالة المدة، ولو لم يعن المتعاقدان إليها ما دامت العين تبقى فيها غالباً.
فإن قيل: إن الحنفية يقولون بانفساخ الإجارة بموت أحد العاقدين فكان عليهم أن يقولوا بما قال به الظاهرية عن التحديد بمدة يعين إليها العاقدان.
قلنا: لعلهم يلاحظون أن التقييد بالمدة يجعل العقد كأن عُقُودٌ ثمرة متعددة بتعدد المدة، فطرقها لا يؤثر، إذ غايته أن تبطل في المدة الزائدة، فلو أجر داراً مائة سَنَةٍ، فالإجارة صحيحة في المدة التي يعيشان إليها، فهذا مات أحدهما انفسخت، فلا داعي لإبطالها ابتداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>