للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها، ويمنع إذا ظهر له التعنُّتُ، وقَصَد الفسادَ، قال: وكذلك القول في إطالة البنَاء، ومنع الشَّمْسِ والقمرِ (١)، ولو حَفَر في ملكه بئرَ بالوعةٍ، وفسَد بها بئرُ ماءِ الجار، فهو مكرَوه لكنَّهُ لا يُمْنَعُ منه، ولا ضمانَ علَيْه بسببه خلافاً لمالكٍ وعن القفَّال موافقته؛ ويجوز أن يُعْلَمَ قولُهُ في الكتاب: "وإنْ كانَتْ في ملْكٍ، فلا حريم له" بالميم؛ لأنَّ الرواية عن مالكٍ أن لها حريماً بقَدْرها.

هذا بيان الجملَتَيْن، ولا مَنْعَ في إحياء ما وَرَاء الحَرِيم، قَرُبَ أم بَعُدَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "أقْطَعَ عَبدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ الدُّورَ، وَهِيَ بَيْنَ ظَهْرَانِي عِمَارَةِ الأنْصَار مِنَ المَنَازِلِ وَالنَّخِيلِ" (٢)، والدُّور يقال: إنَّه اسمُ موضعٍ، ويقال إنَّهُ أقْطَعَهُ تلْك البقعةَ ليتَّخذَها دُوراً.

وعن مالك أنَّ المَوَاتَ القريبَ من العمران لا يحييه إلاَّ أَهْلُ العمران.

وَيُرْوَى عن أبي حنيفةَ مثْلُه في تحديد القُرْب بقَدْر صَيْحَةٍ من كلِّ جانب، وربما نسب ذلك إلى أبي يُوسُفَ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ اخْتِصَاصُ الخَلْقِ بِالوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، هَلْ يُمْنَعَ منَ الإِحْيَاءِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالأَظْهَرُ: أنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَيَّقْ لاَ يُمْنَعُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: موات الحَرَمِ يُمْلَكُ بالإحياء، كما أنَّ معموره يُمْلَك بالبيع والهِبَة، وهَلْ تملك أراضي "عرفة" بالإحْياء كسائر البقاع أم لا؛ لتعلُّق حقِّ الوقوف بها؟ فيه وجهان:


(١) الحاصل كما قاله الزركشي منع ما يضر الملك دون المالك، ويستثنى منه من حفر بئراً في ملكه يلزم من حفره سقوط جدار جاره، أنه يجوز له.
واستثنى بعضهم من ذلك أيضاً ما لو كان له دار في سكة غير نافذة، فليس له جعلها مسجداً ولا حماماً ولا حانوتاً ولا سبيلاً إلا بإذن الشركاء كما قاله الخطيب الشربيني وقال: وفيه نظر، ووجهه أن الشخص لا يمنع من التصرف في ملكه وهذا هو المعتمد.
(٢) رواه البيهقي من طريق الشَّافعي (١٣٥٣) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة أتم منه قال الحافظ في التلخيص وهو مرسل، ولا يقال لعل يحيى سمعه من ابن مسعود فإنه لم يدركه، نعم وصله الطبراني في الكبير (١٠٥٣٤) من طريق عبد الرحمن بن سلام عن سفيان. فقال: عن يحيى بن جعدة عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أقطع الدور، وأقطع ابن مسعود فيمن أقطع، فقال له أصحابه: يا رسول الله نكبه عنا، قال: "فلم بعثني الله إذاً؟ إن الله لا يقدس أمة لا يعطون الضعيف منهم حقه" وقال الحافظ في التلخيص وإسناده قوي، وعند أبي داود (٣٠٦٠) عن عمرو بن حريث انطلق بي أبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا غلام شاب، فدعا لي بالبركة ومسح برأسي، وخط لي داراً بالمدينة بقوس وقال: أزيدك عليه؟ " قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن، وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أنقل النوي في أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>