للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بطول الزمان وتركه العمارة، وإن لم يُرْفَع الأمرُ إلى السُّلْطانِ، ولم يخاطِبْه بشَيْء ووجهه بأنَّ التحجر ذريعةٌ إلى العَمَارةِ، وهيَ لا تُؤَخّر عن التحجُّر إلا بقدر تهْيئة أسباب العمارة، ولذلك لا يعتبر التحجُّر ممن لا يمكّنه تهيئة الأسباب كفقير يتحجَّر منتظراً القدرة عليها, ولا من متمكَّن يتحجَّر ليُعَمِّر في السنة القابلة، فهذا أخَّر، وطالت المدةُ، عاد المَوَاتُ كما كان، وهذا قد حكاه الشيخ أبو حامدٍ عن أبي إسحاق، ثم قال: عنْدي لا فَرْق بين طُول الزَّمَان وقِصَره، إذا لم يرفع الأمر إلى السُّلْطَان، ولم يخاطبْهُ بشيءٍ، فيجوز أن يُعْلَمِ لهذا قوله: "بَطَل اختصاصه" بالواو، ولفظ "التحجُّر" فيما ذكره الأَزْهَرِيُّ (١) مأخوذٌ من الحَجْرِ، وهو المنعُ؛ لأنَّه بما يرسُمُه، يمنع غيره [عنه.]

قَالَ الغَزَالِيُّ: الخَامِسُ إِقْطَاعُ الإِمَامِ، وَهُوَ مُتَّبَعٌ في المَوَاتِ، وَحُكْمُهُ قَبْلَ الإِحْيَاءِ كَحُكْمِ التَّحَجُّرِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لإِقْطاع الإمام مَدْخَلٌ في الموات؛ رُوِيَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أقْطَعَ الدُّورَ (٢)، وعن علقمةَ ابْنِ وائلٍ عنَ أبيه -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أقْطَعَهُ أَرْضَاً بِحَضْرَ مَوْتِ (٣).

ورُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- أَقْطَعَ الزُّبَيْرِ بْنَ العَوَّامِ -رضي الله عنْهُ- حُضْر (٤) فرسه فَأَحْرَى فَرسَهُ، حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رَمَى بسَوْطِهِ، فقَالَ: "أعطُوهُ من حيثُ بلغ السَّوْط (٥) " وفائدة الإقْطَاع مصير المقطع أحقُّ بإحبائه كالمتحجِّر، وإذا طالت المدةُ أو أحياه مُحْيي، فالحكمَ عَلَى ما ذكرناه في المتحجِّر. وعن مالكٍ -رضي الله عَنْهُ- أنَّه إن أحياه عالِماً بالإِقطاع، كان مالكاً للمُقْطِع، وإن أحياه غير عالم بالإقطاعِ، فالقطع بالخيارِ بَيْن أن يأخذَهُ، ويغرم للمحْيي ما أنفَقَ في العمارة، وبيْن أن يتركَهُ على المحيي، ويأْخُذَ منْه قيمةَ المَوَاتِ قبل العمارة. وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: إن أحياه قبْل ثلاثِ سنينَ، فهو للمُقْطِعِ، وإن أحياه بعدْها، فللمحيي، ولا يُقْطِع الإمامُ إلاَّ مَنْ يقدر على الإحْياء، وبقدر ما يقدر عليه.


(١) ينظر تهذيب اللغة ٤/ ١٣٠ (٣/ ١٤٧/ ٤/ ٤٥٦).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه أحمد وأبو داود (٣٠٥٨، ٣٠٥٩) والترمذي (١٣٨١) وصححه، والبيهقي وقال الحافظ في التلخيص: وعنده قصة لمعاوية معه في ذلك، وكذا رواه ابن حبان والطبراني.
(٤) حضر فرسه بضم الحاء، وإسكان الضاد المعجمة وهو العدو.
(٥) أخرجه أحمد وأبو داود (٣٠٧٢) من حديث ابن عمر.
وقال الحافظ في التلخيص، وفيه العمري الكبير وفيه ضعف، وله أصل في الصحيح من حديث أسماء بنت أبي بكر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع الزبير أرضاً من أموال بني النضير.

<<  <  ج: ص:  >  >>