للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والْبِئْرُ المحفُورَةُ على قَصْدِ الارتفاقِ دونَ التَّمَلُّكِ فالحافر أَوْلَى بمائِها إلَى أن يرْتَحِلَ، لكنْ ليس لهُ منعُ ما فَضَلَ عَنْهُ عن مَنْ يحتاجُ إلَيْه للشُّرْب، إذا اسْتَسْقَى بدَلْوِ نفسِه، ولا منْع مواشيه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ مَنَعَ فَضْلَ المَاءِ؛ لَيمْنَعَ بِهِ الْكَلأَ مَنَعَهُ اللهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (١).

والمرادُ أنَّ الماشيَةَ إنَّما تَرْعَى بِقُرَبِ المَاءِ، فهذا منع من المَاءِ, فقد منع من الكلأ، وجازَه لنَفْسِهِ، وله أن يَمْنَع غَيْرَهُ من سَقْي الزَّرْع به؛ لأنَّ الحيوانَ أعظَمُ حُرْمَةً، وللإمام فيه احتمالٌ من حيثُ إنَّه لم يَملِكْهُ، والاختصاصُ إنَّما يكون بقَدْر الحاجة، وبهذا أجاب في "التتمة" فحَصَلَ وجهان، وُيعْتَبَر في الفاضل الذي يَجِبُ بذلُه أنْ يَفْضُلَ عن سقيه ومواشيه ومزارعه. قال الإمامُ: وفي المزارعِ احتمالٌ على بُعْدٍ (٢)، وإذا ارْتَحَلَ المرتفِقُ، صارت البئرُ كالبئرِ المحفورةِ للمارَّة، فإن عاد، فهو كغيره (٣).

وأمَّا البئرُ المحفورةُ للتَملُّكِ، وفي المِلْك، فهل يكونُ ماؤهَا مِلْكاً؟ فيه وجهان:

أحدهُمَا: وبه قال أبو إسحاقَ: لاَ، لظاهر قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثَلاثةٍ: المَاءِ وَالنَّارِ والْكَلأَ" (٤).

وأيضاً، فإنَّ للمكتَرِي الدَّارَ أنَّ يَنْتَفِع بماء بئرها, ولو كان مِلْكاً للمكرِي، لَمَا جاز له التصرُّفُ فيه.


(١) رواه الشَّافعي (١٣٥١) عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهو متفق عليه رواه البخاري [٢٣٥٣، ٢٣٥٤، ٦٩٦٢] ومسلم (١٥٦٦) بلفظ: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ" زاد ابن حبان في صحيحه فيهزل المال، وتجوع العيال، قال الحافظ في التلخيص: قال البيهقي: هذا هو الصحيح بهذا اللفظ، وكذا رواه الزعفراني عن الشَّافعي، قال الحافظ في التلخيص: وأما اللفظ المذكور أولاً فهو مما لم يقرأ على الشَّافعي، وحمله الربيع على الوهم، ولو قرئ على الشَّافعي لغيره إن شاء الله، ثم قال: وهذا اللفظ في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة ومن مرسل الحسن، ويشبه أن يكون الشَّافعي ذكر بعض هذه الأسانيد فأدخل الكاتب حديثاً في حديث انتهى. وحديث عمرو بن شعيب رواه أحمد قال الحافظ في التلخيص: وفي إسناده ليث بن أبي سليم، ورواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب، وقال: لم يرو الأعمش عن عمر وغيره، ورواه في الكبير من حديث واثلة بلفظ آخر قال الحافظ في التلخيص: وإسناده ضعيف.
(٢) قال النووي: المراد: الفاضل الذي يجب بذله لماشة غيره. أما الواجب بذله لعطس آدمي محترم، فلا يشترط فيه أن يفضل عن المزارع والماشية.
(٣) قال الأذراعي: هذا إذا ارتحل معرضاً، أما لو كان لحاجة عازماً على العود فلا إلا أن تطول غيبته اهـ. وإعراضه عنها كارتحاله كما اقتضاه كلام الروياني.
(٤) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>