وجْهاً أنه لا بدَ له منه وضعَّفه، وإن كانتْ تحتاج إلَى ماءٍ يُسَاق إلَيْها, لزم تهيئته من عين أو نهرٍ أو غيرهما، فإذا هَيَّأْهُ، نُظِرَ، إن حفر لَهُ الطريقَ، ولم يبْقَ إلاَّ إجراءُ المَاءِ فيه، كَفَى، ولم يشترط الإجراء، ولا سَقْي، الأرْضِ، وإن لم يَحْفرْ بعْدُ فوجهان، وفي كلام الإمام أيضاً ما يدلُّ عَلَى أنَّ السَّقْيَ نفْسَه غيرُ مُحْتَاجٍ إلَيْه، وإنَّما الحاجةُ إلى ترتيْبِ ماءٍ يمكن السَّقْيُ منْه.
وأراضي الجبالِ الَّتي لا يمكن سوْقُ المَاءِ إلَيْها, ولا يصيبُها إلاَّ ماءُ السَّمَاءِ, مالَ صاحبُ "التقريب" إلى أنَّهُ لا مدخَل للإحياء فيها، وبه قال القَفَّالُ وبنى عليه أنَّا إذا وجدنا شيئاً من تلْك الأراضي في يد إنْسانٍ لم يُحْكَمْ بأنه مِلْكُه، ولا يجوزُ بيْعهُ وإجارَتُه، ومِنَ الأصحاب مَنْ قال: إنَّها تُمْلَكُ بالحراثة وجمعِ التراب على الأطرافِ، وكَمْ من مزرعةٍ تَسْتَغْنِي بالمَطَر عن سَوْق المَاءِ إليها، وهذا ما اختاره القاضي الحسين.
واعْلَمْ أنَّ هذا الخلاف والخلاف أنَّه يجوز إجَارةُ الأراضِي الَّتي لَيْسَ لها ماءٌ معلومٌ للزراعةِ قريبان مُسْتَمَدَّانِ من مأخَذٍ واحدٍ.
فإن قلْتَ: الخلاف في جواز الإجارةِ يَدُلُّ على أنَّ الأرْضَ مملوكةٌ، فكَيْف ينتظمُ اسْتمدادُهَا من أصْلٍ واحدٍ؟ فالجواب: أنَّ الخلافَ في جوازِ الإجَارة في الأراضي المملوكةِ الَّتي سِيقَ الماءُ إليها عنْد الإحياء، ومُلِكَتْ، ثم انقطع الماء بانكباسِ القَنَاة، وانهيارِ البئْرِ، لا في الأراضي التي لا يَنْسَاق الماءُ إليها بحال، وحينئذٍ ينتظم ما ذكَرْناه، وهل تشترط الزراعةُ لِحُصُولِ المِلكِ في المزْرَعَة؟ فيه وجهان:
أَحَدُهُمَا: نعَمْ؛ لأنَّ الدَّارَ والزريبة لا تصيرُ مُحْياةً إلاَّ إذا حَصَلَ فيها عينُ مالِ المُحْييِ، وكذا المزرعة.
والثاني: لا, لأنَّ الزراعةَ استيقاءُ منفعةِ الأرض، واسْتيفاءُ المنفعة خارجٌ عن حدِّ الإحياء؛ ألا تَرَى أنَّهُ لا يُعْتَبَر في إحْياء الدَّار أنْ يَسْكُنَها.
ويُنْسَبُ الأول إلَى ظاهر النّصِّ، لكنَّ الثاني أَوْضَحُ، والأكثرون مائلُون إلَيْه حتى أنَّ القاضِيَ المَاوَرْدِيَّ غَلَّطَ من قال بغيره.
الرابعة: إذا قَصَدَ بُسْتَاناً أو كَرْماً، فلا بُدَّ من التَّحْوِيط، وكم يُحَوِّط؟ ردَّ القاضي ابن كج الأمْرَ فيه إلى العادة، وقال: إنْ كانت عادةُ البَلَد بناءَ لزم جدار البناءُ, وإن كانتْ عادتُهُمُ الحفر بالقَصَب والشَّوْك، وربَّما تركوه أيضاً كما بـ"البَصْرَة" و"قَزْوين" اعتبرت عادتهم، وحينئذ يكفي جَمْعُ التراب حوالَيْه؛ كالمزرعة، والقولُ في سَوْق التراب والماءِ إلَيْه على ما ذكرنا في المزْرَعَة، وهلْ يُعْتَبَرُ غرسُ الأشجار؟ أمَّا من اعْتبر الزَّرْعَ في المزْرَعة، اعتبر الغرس في البستان بطريق الأولَى.