للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا مَصْرَفَ لهما أوَّلاً ولا آخِرَاً، بلْ هما غَيْرُ داخلَيْنَ في الوقْف، ونظيرُ المسألة في أنَّ الوقْف لبَعْضِ المنافع، والفوائد خاصَّةً، هل يجوز؟ لجوازه شواهدُ نذْكُرها علَى الأثر، وأيْضاً، فقد ذكروا أنَّه لو وقِفَ ثور؛ للإنزاء، جاز، ولا يجوز استعمالُهُ في الحراثة.

ولا يجُوز ذَبْحُ البهيمةِ المَوْقُوفةِ المأكولةِ، وإنْ خرجَت عن الانتفاع، كما لا يجوزُ إعتاق العَبْد، لكن إذا صارت بحيث يَقْطَع بمَوْتها, لو لم يُذْبَح.

قال في "التتمة": يجُوزُ ذبْحُها للضرورة، ويباعُ اللَّحْمُ في أحد الطريقَيْن، وَيشْتَرِيَ بثمنه (١) بهيمةً من جنْسِها وتُوقَفُ.

وفي الثاني: إنْ قُلْنا: إنَّ المِلْكَ في الوَقْف لله -تعالَى- فعلى الحاكم ما يرى فيه المصْلحة. وإن قلْنا: للواقف أو للموقوف علَيْه، صرف إليْهما، وإذا ماتت البهيمةُ الموقوفةُ فالمَوْقُوفُ علَيْه أَوْلَى بجلدها، وإذا دبغه، ففي عَوْدِهِ وقْفاً وجْهَانِ.

قال في "التتمة": الظاهرُ العَوْدُ.

والمنافعُ المستحَقَّة للموْقُوف علَيْه يجوز أنْ يستَوْفِيَها بنَفْسه، ويجوز أن يقيم غيره مقامَه بإعارة منْه، أو بإجارةِ، وتُصْرَف الأُجْرَةُ إِلَيْه, هذا إذا كان الوَقْفُ مُطْلَقاً.

أمَّا إذا قال: وقَفْتُ دارِي؛ ليسكُنَها من يُعَلِّم الصبيانَ في هذه القَرْيَة، فللمعلِّم أن يسكنها, وليس له أنْ يُسْكِنَ غيره بأُجْرَةٍ، ولا بغَيْر أُجْرةٍ (٢).

ولو قال: وقفْتُ داري عَلَى أنْ تستغل، وتُصْرَفُ غلَّتُها إلَى فلان، تَعيَّن الاستغلالُ، ولم يجز له أنْ يَسْكُنَهَا كذا ذكرت الصورتان فيما جُمِعَ من فتاوى القَفَّالِ وغَيْره وفيهما تخصيصُ بعْضِ المنافِع والفوائِد بالوَقْف، وفي الوقْفِ المطْلَق، لو قَالَ الموقُوفُ علَيْه؛ أَسْكُنِ الدار، فقال القَيِّمُ: أكريها؛ لأصْرِفَ الغلَّة إلَى مرمتها، فله أنْ يكري (٣). ومتى


(١) في ز: بقيمته.
(٢) ما ذكره القفال من امتناع العاريهّ في مسألة تعليم الصبيان يوافقه قول الإمام المذهب الظاهر الذي قطع به الأئمة أنه لو وقف داراً على معين وشرط ألا يسكنها ولا يؤجرها، ليس لهم أن يتعدوا موجب شرطه كالرباط والمدرسة, قال الزركشي: من عمل الناس على خلافه، ولم يزل الناس يسمحون بإعاوة بيت المدرس والشيخ في الرباط، فإذا اقتضى الوفاء ذلك ولم يف بها غرض الواقف لم يمتنع, وعن الشيخ محيى الدين أنه لما تولى دار الحديث بالأشرفية وبها قاعة للشيخ لم يسكنها وأسكنها غيره ويؤيده ما في كتاب الصُّلْح في الصُّلْح على خدمة أن لصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤجر غيره في مثل عمله.
(٣) قال في الخادم: كان هذا فيما إذا اقتضى الحال الترميم بخلاف ما إذا كانت سليمة؛ لأنه مجرد عناد. نعم لو كان الواقف شرط أن يسكن ولا يؤجر فيحتمل أتباع الشرط ويؤيده إطلاق الإمام السالف قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>