للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخيارُ في الإقباض، والوَجْهان في هذه الصُّورة كلّها توجه:

أحدُهُما: وهو الأَظْهَرُ بالقياس على البيع.

والثاتي: بأنَّ البيع لا يفيد الملك في الحَالِ، بلْ يشترط لَهُ التَّسْليم، وليْسَتْ هي بموجبة للتسليم حتَّى يمتنع فيما يمتنع تسليمه، فيُحْتَملُ فيها ما لا يُحْتَملُ في البيع.

ومنْها في هبة الكلب وجهان عَنْ رواية الشَّيخ أبِي عَلِيٍّ وغيره:

أظْهَرُهُمَا: وبه قطع الشيخُ أبو محمد: المنع كالبيع.

وثانيهما: الصِّحَّة؛ تنزيلاً للهبة منزلةَ الوَصِيَّة، وهما جاريانِ في جِلْد الميتة قبل الدباغ، وفي الخُمُور المحرَّمة.

قال الإمامُ: وحقُّ منْ جَوَّز الهبة فيها أن يجوِّزها في المجاهيل، وفي الآبق كالوَصِيَّة (١).

ومنها: هبةُ الدَّيْن، وهي إمَّا أن تُفْرض ممَّن عليه الدَّيْن، أو من غيره، فإنْ وهب ممَّن عليه الدَّيْن، فهو إبراءٌ، فإنْ قلْنا باعتبار القَبُول في الإبراء عَلَى ما أسلفنا حكايَتَهُ عن ابْنِ سُرَيْجٍ، فإذا جَرَى بلَفْظِ الهِبَة، كان أولَى. وإنْ قُلْنا: لا يُعْتبر، فوَجْهان، إن نظرْنا إلى اللفظ، اعتبرناه، ويُحْكَى هذا عن ابن أبي هُرَيْرةَ.

وإن نَظَرْنا إلى المعْنَى، فلا. قال في "الشَّامل" وهو المذهب، وإن وهَبَ مِنْ غَيْرِ مَنْ عليه، فيبنَى على الخلاف في بَيْع الدَّيْن مِنْ غَيْر مَنْ علَيْه إنْ أبطلناه، فكذلك الهبة، وهو الأصحُّ، وإن صحَّحناه، ففِي الهبَة وجْهَان، كما ذكَرْنا في رَهْن الدَّيْن فإِن صحَّحنا، فهلْ يفتقر لزُومُها إلَى قَبْض الدَّيْن؟ فيه وجهان:

أحدهُمَا: نعم؛ على قياس الهبات.

والثاني: أنَّهُ لا حاجةَ إلَى القَبْضِ، وعلَى هذا، فوجهان:

أحدهُمَا: أنَّه يلزم بنَفْسِ الإيجاب والقَبُول، كالحوالة؛ لأنَّ المَقْصُودَ أن يَصِيرَ المتَّهِبُ بعد الهبة كالوَاهِب قبْلَها، والواهبُ كان مستحِقّاً مِنْ غير قبض.

والثاني: أنَّهُ لا بدَّ من تسليط بَعْدَ العَقْد، وإذْنٍ مجدّد، ويكونُ ذلك كالتخلية في الأعيان الَّتي لا يُمْكِنُ نقْلُها وإذا فرَّعنا عَلَى أنَّهُ يجوز رَهْنُ الدَّين، افتقر لزومه إلَى القَبْض لا محالة؛ لأنَّهُ لا يفيدُ انتقالَ المِلْك والاستحقاق.


(١) وهذا الذي قاله الإمام، قد صرح الماوردي بحكايته عن ابن سريج أنه لا يجوز هبة الآبق. ذكره في كتاب البيع، وقال صاحب العدة. هنا: هبة العبد الآبق في حالة إباقة لا تجوز في وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>