للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولوْلاَ توقُّف الملْكِ على القَبْض، لَمَا قال: "إنَّه مالُ الوَارِث".

وفيه دليلٌ عَلَى أنَّ الإقْبَاض في مرَضِ المَوْتِ مِنَ الوارث بمثابة الهبة منه هذا ظاهِرُ المَذْهَب، وبه قال أبو حنيفةَ، وفيه قولان آخران:

أَحَدُهُمَا: وَيُحْكَى عن رواية عِيسى بنْ أبانَ عَنِ القَدِيم أنَّهُ يَحْصُلِ المِلْكُ بنَفْسِ العَقْد، وبه قال مَالِكٌ كالوقْف.

والثاني: أنَّ المِلكَ مَوْقُوفٌ إلَى أنْ يُوجَدَ القَبْض، فإذَا وُجِدَ، تَبَيَّنَّا حُصُولَ المِلْكَ منْ وقْف، العَقْد، وهذا مخرَّج مما ذكرنا في "زكاة الفطْر" أنَّهُ لو وهب عبْداً في آخِرِ رَمَضان، وقبضَه بعْد غُرُوب الشَّمْس، كانت الفطرةُ على المَوْهُوب له.

ومن قال بالوقف (١)، قال: هذا تفريعٌ منه عَلَى مذْهَب مالكٍ.

وقال أحْمَدُ: إذا وهَب قفيزاً من صُبْرة أو دِرْهَماً من دَرَاهِم، فلا بُدَّ من القبض، وإنْ وهَبَ مُعيَّناً كالثَّوْب والعَبْد فأصحُّ الروايتَيْنِ أنَّ المِلْكَ لا يَفْتَقِر إلَى القَبْض، ويتفرَّع على الأقوال أنَّ الزياداتِ الحادثَةَ بيْن العقْد والقَبض لمن تَكُون.

ولو باع الواهِبُ ما وهَبَهُ منْ إنسان قَبْل القَبض-حَكَى الشَّيْخُ أبو حامد أنَّه إنْ كان يعْتَقِد أنَّ الهِبَةَ غيرُ تامَّة، صحَّ البَيْعُ، وبَطَلَتِ الهبةُ، وإن كان يعتقد تَمَامَها، وانتقالَ الملْكِ بنَفْس العَقْد، ففي صحَّة البيع قولان كالقولَيْن فيما إذا باعَ مالَ أبيه عَلَى ظَنِّ أنَّهُ حيٌّ فبان ميتاً ولو مات الواهبُ أو المتَّهب بين العقْد والقبْض فوَجْهان، ويقال: قولان:

أحدُهُما: أنَّهُ يَنْفَسِخ العَقْدُ لجوازِهِ كالتَّركة والوَكَالة.

وأَصَحُّهُمَا: المَنْعُ؛ لأنَّهُ يَؤُولُ إلى اللُّزوم كالبيع الجَائِزِ، بخلاَفِ الشَّركة والوكالة، فعلَى هذا، إن مات الواهبُ، يخيَّر الوارثُ في الإقْبَاض، وإنْ مات المتَّهِب، قبضَ وارثه، إن أقبضه الواهِبُ، ويجري الخلافُ فيما إذا جُنَّ أحدهُمَا أو أُغْمِى عَلَيْه (٢).

والقبضُ المستعقبُ للمِلْك هو المقرونُ بإذن الواهب، فلو قَبضَ من غير إذْنه، لم يَمْلِكْه، ويدْخُل في ضمانِهِ، ولا فَرْقَ بين أنْ يقبضَ في مَجْلِس العَقْد أو بَعْدَه.

وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه- إذا قبضه في المجلِس بغير إذْنه ملَكَه، وإنْ تأخَّر عن المجلس، احتاج إلى الإذن.

لنا: قياسُ الحالة الأُولَى على الثانية.


(١) في ز: الأول.
(٢) قال النووي: قال البغوي: ويقبض بعد الإفاقة منهما ولا يصح القبض في حال الجنون والإغماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>