للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورع فَلاَ، ولو كَفَّنه في غَيْره، وجَب ردُّه إلَى مالكه ولو بعَثَ إلَيه هديَّةَ في ظَرْفٍ، والعادةُ في مثْلِها ردُّ الظُّرْف، لم يكن هديَّةً، وإن كانتِ العادةُ أَلاَّ يردُّ؛ كقواصر التَّمْر، فهو هديةٌ أيضاً، وقد تميز القسمان بكونه مشْدُودًا فيه، أو غيْرَ مشْدودٍ، وإذا لم يكُنْ الظَّرْف هديةً، كان أمانةً في يد المُهْدَى إليه، وليْسَ له استعمالُهُ في غَيْر الهديَّة وإمَّا فيها، فإنِ اقتضتِ العادةُ التَّفْرِيغَ، لزمه تفريغه، وإنِ اقتضَتِ التنازل منْه، جاز التنازُلُ منه. قال صَاحِبُ "التهذيب": ويكونُ كالمستعارِ.

وإذا نفذ كتاباً إلَى حاضرٍ أو غائبٍ؛ وكتَبَ فيه أن اكْتُبِ الجوابَ عَلَى ظَهرِهِ، فعلَيْه ردُّه، ولَيْسَ له التصرُّفُ فيه، إلاَّ، فَهُوَ هديّة يملكُها المكَتوبُ إلَيْه هكذا قاله في "التتمة" وذكر غيرُهُ أنَّه يبقَى على مِلْكِ الكاتِب، وللمكتوبِ إلَيْه الانتفاعُ به على سبيل الإباحَةِ. وهبةُ منافعِ الدَّارِ، هلْ هِيَ إعارةٌ لها؟ فيه وجهان في "الجُرجانيات" ولا يحْصُلُ الملكُ بالقَبْض في الهبة الفاسِدَة؛ خلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه- والمال المقبوضُ مضمونٌ على المُتَّهِبِ، كالمَقْبوض بالبَيْع الفَاسِد، أو غير مضمون كالمقبوضِ في الهِبة الصحيحة؟ وجهان، ويقال: قولان (١)، والله أعْلَمُ.


(١) قال النووي: أصحهما: لا ضمان، وهو المقطوع به في "النهاية" و"العدة" و"البحر" و"البيان"، ذكروه في باب التّيمم، قال المتولي: وإذا حكمنا بفساد الهبة، فسلَّم المال بعد ذلك هبة، فإن كان يعتقد فساد الأولى، صحت الثانية، وإلا، فوجهان بناءً على من باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتاً.
وهذه مسائل متعلقة بالكتاب:
إحداها: قال لرجل كسوتك هذا الثوب، ثم قال: لم أرِد الهبة، قال صاحب "العدة": يقبل قوله، فخلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه-؛ لأنه يصلح للعاريَّة، فلا يكون صريحاً في الهبة.
الثانية: قال: منحتك هذه الدار، أو الثوب، فقال: قبلت وأقبضه، فهو هبة، قاله في "العدة".
الثالثة: في فتاوى الغزالي: لو كان في يد ابن الميت عين، فقال: وهبنيها. أبي وأقبضنيها في الصحة، فأقام باقي الورثة بينة بأن الأب رجع فيما وهب لابنه، ولم تذكر البينة ما رجع فيه، لا تنتزع من يده بهذه البينة، لاحتمال أن هذه العين ليست من المرجوع فيه. ويقرب من هذا، لو وهب وأقبض ومات، فادعى الوارث كون ذلك في المرض، وادعى المتهب كونه في الصحة، فالمختار أن القول قول المتهب.
الرابعة: دفع إليه ثوباً بنية الصدقة، فأخذه المدفوع إليه ظانّاً أنه وديعة أو عارية، فرده على الدافع، لا يحلُّ للدافع قبضه؛ لأنه زال ملكه، فإن الاعتبار بنية الدافع. فإن قبضه، لزمه رده إلى المدفوع إليه، ذكره القاضي حسين.
الخامسة: برُّ الوالدين مأمور به، وعقوق كل واحد منهما محرم معدود من الكبائر بنص الحديث الصحيح، وصلة الرحم مأمور بها، فأما برهما، فهو الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرُّهما من الطاعات لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه، ويدخل فيه =

<<  <  ج: ص:  >  >>