للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان السابِي ذِمِّيًّا، فوجهان:

أَحَدُهُمَا: أنَّه يُحْكَمُ بإسْلامِهِ أَيْضاً؛ لأنَّه، إذا أسبيناه، صار مِنْ أهل دار الإِسْلاَم؛ لأنَّ الذمِّيَّ مِنْ أهلها، فيُجْعَلُ مُسْلِماً تبعاً للدَّار.

وأصَحُّهُمَا: المنعُ؛ لأنَّ كونه من أهْلِ الدارِ، لمٍ يُؤَثِّرْ فِيهِ وفي حقِّ أولاده (١)، فكيف يُؤَثِّرُ في حقِّ مَسْبِيَّهِ، وتبعيَّة الدار إنَّما تُؤَثرِّ في حَقِّ من لا يُعْرَفُ حالُهُ ونَسَبُهُ، ثم لو بَاعَهُ الذِّمِّيُّ من مُسْلِمٍ، لم يُحْكَم بإسلامه (٢) أَيْضاً؛ لأن ملكُ المُسْلِم طَرَأَ، وهو رَقيقٌ، وإنما التبعيةُ أَثَرُ ابتداءِ المِلْكِ، فإن عنده يتحقَّق تحوُّلُ الحال، وكذلك سبي الزوجَيْنِ يَقْطَعُ النكاحَ، وتَجَدُّد المِلْكِ على الرقيق لا يقْطَعُه، ولو سُبِيَ ومعه أبواه أو أحَدُهُما، لم يُحْكِمْ بإسلامه (٣)؛ خلافاً لأحمدَ في إحْدَى الروايتَينِ [عنه]؛ لأنَّ والِدَيْهِ أقربُ إليه من سابِيهِ، فكان أَوْلَى بالاستِتْبَاعِ.

وقال الإمامُ: وكان لا يَبْعُدُ أن يبالي بهما حَيْثُ أتبعناه السَّابِيَ مع وجودِ الأبوَيْنِ، إذا لم يكونَا مَعَه، وقلْنَا: كأنَّه ولدٌ جديدٌ، ولكن لم يختلف الأصحابُ في ذلك،


(١) قال في الخادم: فيه أمور:
أحدها: في تصوير المسألة إشكال؛ لأنه إن كانت الصورة فيما إذا سرقه من دار الحرب كما صورها البغوي في فتاويه قلنا: خلاف في أن المسروق هل يختص به السارق أم هو غنيمة، فإن قلنا: غنيمة وهو المذهب، فللمسلمين منه شيء ويده نائبة عنهم فينبغي الجزم بإسلامه، وقد قال القاضي حسين إذا قلنا: لا يصير مسلماً بسبي الذمي فاجتمع على سبيه مسلم، وذمي صار مسلماً تغليباً لحكم الإسلام وإن قلنا: يختص به فيمكن التصوير به لكنه تفريع على الضعيف، وتعليل الأصحاب صريح في أن التصوير فيما إذا كان الملك له.
الثاني: إنما يحكم بإسلام مسبي الذمي بعد دخوله به دار الإِسلام لا قبله. صرح به البغوي في فتاويه.
الثالث: لم يتعرض لما إذا قلنا بالأصح وهو أنه لا يحكم بإسلامه ما حكمه ومقتضى كلام الجمهور أنه يتبع السابي في ذمته، وبه صرح الشيخ أبو حامد في تعليقه والقفال في فتاويه والدارمي ويقتضي ذلك أنه لو كان الصغير يهودياً سباه نصراني أو بالعكس أنه يكون على دين السابي. وهذا هو قضية ما نقله الرافعي عن تعليل الإمام أن النبي قلبه قلباً كلياً استفتح له وجود مطلق فأشبه تولده بين الأبوين.
(٢) كذا قطع به، وفي الوسيط وجه أنه لا يحكم بإسلامه؛ لأنا جعلنا وقوع الصبي في يد المسترق كوقوعه في دار الإسلام، وهو ضعيف فإن دار الإسلام إذا لم تؤثر في السائب وهو الذمي ولم يكن مسلماً بذلك فكيف تؤثر فيمن سباه وكيف يثبت للتابع حكم لم يثبت للمتبوع ولا أثر أيضاً في أولاد المتبوع.
(٣) قال في البحر عن الماسرجسي قال: سمعت ابن أبي هريرة يقول: لو سبي مع جده فهل يتبع السابي في الإسلام أو الجد فيه وجهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>