وهاهنا في القُبُول إضرارٌ به وإثباتٌ رقٍّ عليه، ولأنَّه لا نَسَبَ لَه في الظَّاهر، فلَيْسَ في قَبُول قولِ المُدَّعِي ترْكُ أمْرٍ ظاهرٍ، والحريَّةُ محْكُومٌ بها ظاهرًا، وإنْ كَانَ الصَّغيرُ في يده، فاليَدُ، إمَّا التي عَرَفْنَا استنادها إلى الْتقاطِ المنَبُوذِ، وإِمَّا غَيْرُها، إن كانَتِ الأُولَى، ففيها قولان:
أحدُهُما: أنه يُقبَل قولُهُ، ويُحْكَمُ له بالرِّقِّ، كما في غيرِ يَدِ الالتقاطِ، وكما لو التقط مالاً، وادَّعَى أنه له، وَلا مُنَازعَ، يُقْبَلُ قولُهُ، حتَّى يُجوزَ شِراؤُهُ منْهُ.
وأصحُّهما: وهو المذكورُ في الكتاب: أنَّه لا يُقبلُ قوله "ويحتاج إلى البينةِ؛ لأنَّ الأصلَ الحريةُ، فلا يخالفُ بمجردِ الدعوَى، ويخالف مَا إِذَا كانَت اليدُ لاَ عن التقاط، كما سيأتي.
وأما إذا ادَّعَى ملكَ المال الملتقط؛ لأنَّ المالَ مَمْلوكٌ، ولَيْسَ في دعْوَاهُ [تغيُّرُ صِفَةِ المالِ، واللَّقِيطُ حرٌّ ظاهرٌ، وفي دَعْوَاهُ](١) تغْييرُ هذه الصفة، وإنْ كانَتِ الثانيةُ، فَيُحْكَمُ لصَاحِبِها بالرِّقِّ الذي يدَّعِيهِ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّ مَنْ في يدِهِ، وهو متصرِّفٌ فيه تصرُّف السَّاداتِ في العَبيدِ، مَلَكَهُ، ولم يَعْرِفُ حُدُوثَها لِسَبَبٍ لا يقْتَضِي المِلْكَ، ولا فَرْقَ بين أنْ يَكُونَ الصغير مُمَيِّزاً أو غَيْرَ مُميِّزٍ، مُقّراً أو مُنْكِراً على أَصحِّ الوَجْهَيْنِ.
والثاني: ويُحْكَى عن أبي إسحاقَ: أنَّه، إن كان مميزاً منْكِراً، أحتاج المدَّعي إلى البَيِّنَةِ؛ لأنَّ لكلامِهِ حُكْماً، واعتباراً في الجُمْلة.
قال الشيخ أبو عَلِيٍّ: والوجهان مبينَّانِ على الوجْهَيْنِ في الموْلود، إذا ادَّعاه اثْنَانِ، ولا قائِفَ، هل يُؤْمَرُ بالانْتِسَابِ؛ لِسِنِّ التَّمْييزِ، أمْ يُنْتَظَرُ إلَى أن يبلغ؟ وفي الخُنْثَى المُشْكِل، هل يُراجَعُ؛ لسنّ التمييز أم يُنْتَظَرُ الَبُلُوغُ، ثم يحلف المدَّعَي، والحالةُ هذه؛ لخَطَرِ شأْن الحرّيَّة، وهو واجبٌ أو مستحبُّ، فيه خلافٌ، والأول, هو الذي يُحْكَى عَنِ النَّصِّ. ثم إذا بَلَغَ الصبيُّ، وأقرَّ بالرِّقَّ لغَيْرِ صاحبِ اليَد، لم يُقْبَلْ، وإن قال: أَنَا حُرٌّ, فوجهان:
أحَدُهَمَا، وبهِ أجاب ابن الحدَّادِ: أنَّه لا يُقْبَلُ قولُهُ، إلاَّ أن يقيم بَينةً على الحريةِ؛ لأنَّا قد حَكَمْنا برقِّهِ في حالِ الصِّغَرِ، فلا يُرْفَعُ ذلك الحُكْمُ إلاَّ بحجَّةٍ، لكنْ لَهُ تحليف السَّيِّد، قاله في "التهذيب".
والثاني، وبه قال أبو عليٍّ الثقفيُّ: أنَّه يُقْبَلُ قولُهُ، إلا أن يقيم المُدَّعِي للرِّقِّ بينةً عَلَى رقه؛ لأنَّ الحُكْمَ بالرِّقِّ، إنما جَرَى حِينَ لا قَوْلَ لَهُ، ولا منازَعَةَ، فإذا صارَ مُعْتَبَرَ