المخصُوص بتلك القرابةِ، أمَّا إذا لم يكن لمكانِ الحَاجِب، كما إذا خلَّف بِنْتاً وابنَيْ عَمٍّ، أحدُهُما، أخٌ لأمٍّ ففيه وجهان:
أظهرهما: وهو المذكورُ في الكتَاب: أنَّ للبنت النصْفَ، والباقي بينهما بالسَّوِّية، لأنَّ إِخُوَّة الأُمِّ سقطَتْ بالبنت، فكأنها لم تكُنْ، فيرثان بِبُنُوَّة العمِّ على السَّواء، وأقواهما عند الشيخ أبي عَلِيٍّ، وهو جواب ابن الحدَّاد أن الباقِي لِلَّذِي هو أخ لأُمِّ؛ لأنَّ البنْتَ منعتْهُ من الأخذِ بقرابةِ الأُمِّ، وإذا لمْ يأْخذ بها، رجحت عُصُوبَته، كالأخ من الأبوَيْن مع الأخِ للأَبِ.
واحتج ابن الحدَّاد لجوابِهِ بنفيِّ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في صورة الولاء عَلَى ما قدَّمناه، فقال الأخ من الأبوين يتقدَّم في ولاية النكاح على الأخ من الأبِ ترجيحاً بقَرابَةِ الأمُومَةِ، وإنْ كانَتْ لا تفيد ولاية النكاح وهذا هو أصحُّ القولَيْنَ فيه.
ولنَا قولٌ آخرُ: أنَّهما سواءٌ في ولايةِ النِّكاحِ نذكره في موضِعِهِ، إن شاء الله تعالَى.
واعْلَمْ أن لهذيْن الوجهيْنِ ترتيباً على الخلاف، فيما إذا لَمْ يوجَدْ حاجبٌ، وكيف يترتبان؟ توجيه الوجْه الثاني يقتضي أن يقال: إنْ رجَّحنا الأَخَ من الأُمِّ هناك، فهاهنا أَوْلَى، وإلاَّ فوجهان؛ لأنَّ هناك وَرِثَ بقرابة الأُمُومَةِ، وهاهنا لم يَرِثْ، فانتهضَتْ مرجحة، وقد نصَّ على هذا ابن الحدَّاد، وتوجيهُ الوَجْه الأوَّل يقتضي أنْ يقال: إنْ لم نرجِّح الأَخِ من الأُمِّ هناك، فهاهنا أَوْلَى، وإن رجَّحناه، فوجهان؛ لأنه وُجِدَ المُسْقِطُ للجهة، فصار وجودُها كعَدَمِها، وقد وجدتُّهُ منصوصاً في كلام ابْنِ اللَّبَّان تفريعاً على قَوْلِ من يقدم الأخ هناك، والله أعلم.
وإذا قُلْنا بالصَّحيح، فلو خلَّف ابْنَ عمٍّ لأبٍ وأُمٍّ وآخرَ لأبٍ، وهو أخٌ لأمٍّ، فللثاني السُّدُسُ بالأُخُوَّة، والباقي للأول، وتسقط به عصوبةُ الثاني.
ولو خلَّف ثلاثةً بني أعمام متفرِّقين، والَّذي هو لأمِّ زوج، والذي هو لأبٍ أخ لأمِّ، فللزَّوْج النِّصْفُ، وللأخ السدسُ، والباقي للثَّالِثِ.
ولو خلَّف أخوَيْنِ لأمٍّ [وترك سواهما] أحدُهُما ابنُ عمِّ، فلها الثلثُ بالأُخُوَّة، والباقي لابن العَمِّ منْهما بلا خلافٍ، وصورةُ ابْنَيْ عمِّ أحدُهُما أخٌ لأمٍّ: أن يتعاقب أخوانِ عَلَى امرأةٍ واحدةٍ، وتلد لكلِّ واحدٍ منهما ابْناً، ولأحدِهِمَا ابْنٌ من امرأةٍ أخرَى، فابناهُ ابْنَا عَمِّ الآخَرِ، وأحدُهُما أخُوه لأمِّه.
وصورةُ أخوَيْنِ لأمٍّ أحدُهُما ابنُ عمٍّ: أن يكون للمَرْأةِ في الصُّورَة المذكورة ابنٌ من زَوْجٍ آخَرَ، فابْنُهما من الأجنبيِّ، وابنُ أحدِ الأخوَيْنِ أخٌ للآخر من الأمِّ وأحدُهُما ابْنُ عمِّهِ.