للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعْتَقَ أو جَرَّ الولاء إلَيْهنَّ من أعْتَقْنَ، وإنْ شِئْتَ قلت: لا تَرِثُ المرأةُ بولاء إلا من معتقها أو من ينتمي إلَى معتِقِهَا بوَلاَءٍ أو نَسَبٍ.

قال ابن سُرَيْجٍ: وإنّما كان كذلك؛ لأنَّ الولاء أضْعَفُ من النَّسب المتراخي، وإذا تَرَاخَى النسب، وَرِثَ الذُّكورُ دُون الإنَاثِ؛ ألا تَرَى أن بني الأخ والعَمّ وابنه يرثُونَ دون أخواتهم، فإذا لم ترِثْ بنْتُ الأخ والعم، فبنتُ المُعْتِق أولى ألاَّ تَرِثَ.

وقوله في الكتاب: "ولا يَثْبُتُ الإرث بالولاء للإنَاثِ إلاَّ إذا كانَتِ المرأةُ مُعْتِقةً" فيه تساهلٌ، والضابطُ ما ذَكَرْنَاه، ثم الذين يتعصَّبُون بأنفسهم، ترتيبُهم في الولاء كترتيبهم في النَّسَب، حتَّى يتقدَّم ابن المُعْتِق وابن ابنه عَلَى أبِيه وجَدِّه.

وقال أحمَدُ: للأبِ أو الجَدِّ السدُسُ، والباقى للابْنِ، وادَّعى أنَّ كلَّ ذكرٍ يرثُ بالولاءِ، سواءٌ كان صاحبَ فَرْضٍ أو عَصَبَةً.

نعم، يفترق الترتيبَانِ في مَسَائِل:

منْها: في أَخٍ لأبوَيْهِ مع أخيه لأبيه طريقان:

أصحُّهما: تقديمُ الأخِ من الأبوَيْنِ كما في النَّسَب.

والثاني: أنَّ فيه قولَيْن:

أحدُهما: هذا.

والثاني: أنَّهما يتساوَيَانِ، إذْ لا أثَرَ لقرابَةِ الأمومَةِ في الوَلاَء، وقَدِ اسْتَوَيَا في قرَابَةِ الأَبِ، ومنْها إذا اجْتَمَعَ جدُّ المُعْتِق وأخُوه، ففيه قولان:

أحدُهُما، وبه قال أحْمَدُ: أنَّهما يستويان كما في النَّسَب؛ لاستوائهما في القُرْب.

والثاني: أن الأخَ مقدَّم؛ لأنَّه ابنُ أبي المُعْتق، والجَدُّ أبو أبيه، والبنوة أقوى من العُصُوبة، وإنما تركْنَا هذا القياس في النَّسَب؛ لإجماع الصَّحَابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَلَى أنَّ الأَخِ لا يُسْقِطُ الجَدِّ (١)، وأيضاً، فالولاء يدورُ على محْضِ العُصُوبة، ولا يُورَثُ فيه إلا بها، فَمَن أقَرَّ، كَانَ أقْوَى عصوبةً، فهو أَوْلَى، وبهذا القَوْلِ قال مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأبيهما أصحُّ.

قال في "التهذيب": إنَّ الأوَّل أصحُّ، إلاَّ أنَّ الشيخ أبا حامدٍ وأبا خلَفٍ الطبريَّ والأكثرين رجَّحوا الثاني، وأبو حنيفة خالَفَ القولَيْن جميعاً، وقدَّم الجد، فيجوز إعلامُ قولِهِ: "يستويان" وقولِهِ: "إنَّ الأَخِ مقدَّمٌ" بالحاء، وإعلامُ الأوَّل بالميم، والثَّاني بالألف.


(١) وفيه نظر؛ لأن ابن حزم حكى أقوالاً أن الأخوة تقدم على الجد فأين الإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>