للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحُّهما: وبه قال "صاحب التلخيص": الاشتراطُ كسائر الوصايا، وهي وصيةٌ للمالك؛ كما لو أوصَى بعمارة داره، بتقدير أن يكون وصيَّةَ للدابَّة، فيبعد حدوث الاستحقاق، لملكه من غير رضَاهُ.

وإذا قبل، فهل يتعيَّن صرفه إلَى جهة الدابة؟ فيه وجهان:

قال صاحب "التلخيص": نعم؛ رعايةً لغرض الموصي، وعلى هذا فيتولى الإنفاق الوَصِيُّ، فإن لم يكن وصيٌّ، فالقاضي أو مَنْ نأمره به من المَالِكُ وغيره.

وعن القفَّال: أنَّه لا يتعيَّن، بل له أن يمسكه، وينفقَ على الدابَّة من موضع آخر، وقضية إيراد الناقِلِينَ ترجيحُ الأول، وليعرف هاهنا شيئان:

أحدهما: قد تكرر في خلاف الكَلاَمِ أنَّ الوصيَّة عَلَى رأي وصيةُ للبهيمة نَفْسِها، وحينئذ فلا يتَّجِه فرقٌ بين البهائم المملوكة، وبين الوحُوش، وَالصُّيود المباحة، وهذا يَعْتَرضُ على ما قَدَّمنا عن صاحب "التتمة" في الوقْف؛ أنَّه لو وقف عَلَى عَلَفِ الطيورِ المباحةِ، والوُحُوشَ، لم يصحَّ، بلا خلاف، وأن موضع الخلافِ ما إذا كانَتِ البهيمةُ مملوكةً.

والثاني: إذا انتقلتِ الدابَّةُ من مالكها إلَى غيره، فقياسُ كون الوصية للدَّابَّة الاستمرارُ (١) لها، وقياسُ كونها للمالك اختصاصُها بالمنتَقَلِ عَنْه؛ والله أعلم.

وإذا وصَّى للمسجد، وفسّر بالصرف إلى عمارته، ومصلحته، صحَّت الوصية، وإن أطلق، فوجهان.

أحدهما: البطلانُ، كالوصية للدابَّة.

وأظهرهما: الصحَّة؛ لأن مقتضَى العُرْف تنزيلُه على المصرف إلَى عمارته، ومصلحته، والقَيِّمُ يصرف إلى الأهم، والأصلحِ باجتهاده.

وإن قال: أردتُّ (به) (٢) تمليك المسجد، فقد ذَكَر بعضُهم أن الوصية لاغيةٌ، ولك أن تقول: قد سيق أن للمَسْجد ملكاً وعليه وقفاً، وذلك لقتضي صحَّة الوصية وثبوت (٣) الملك، والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا الحَرْبِيُّ فَيَصِحُّ (ح) الوَصِيَّةُ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ المَذْهَبِ، كَالهبَةِ


(١) قال النووي: بل القياس اختصاصها بالمتنقل إليه، كما سبق في الوصية للعبد.
(٢) سقط في: ز، ب.
(٣) قال النووي: هذا الذي أشار الإمام الرافعي إلى اختاره هو الأفقه والأرجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>