للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطَّاعُون فسَّره بعضُهُم بهذا الذي ذكَرْناه من انْصِبَابِ الدَّمِ إِلَى عضو (١).

وقال أكثرهم: إنه هيجانُ الدَّم في جميع البدن وانتفاخه.

قال في "التتمة" وهو قويبٌ من الجذام من أصابه، تآكلت أعضاؤه، وتساقط لحْمُه. ومنها: الجراحة، إن كانت على مقتل، أو نافذةٍ إلى جوف، أو في موضع كثير اللَّحْم، أولها ضَرَبانٌ شَدِيدٌ، أو حصل معها تآكلٌ، أو ورمٌ، فهي مخوفةٌ، وإلاَّ، فلا.

وذكر بعض الشارِحِينَ أن الوَرَمَ وحْدَهُ لا يُوجِبُ كونه مخوفةً وإنَّمَا يوجبه الورم مع التآكُلِ. واحْتَجَّ عليه بأن الشافعيَّ -رضي الله عنه- قال في "المختصر" ولم يتآكل، وورم فهو غير مخوف، ولم يقل: ولم يرم.

ومنْها: القَيْءُ، إن كان معه دم، أو بلغم، أو غيرهما من الأخلاط، فهو مخوف وإلاَّ، فغير مخوف إلاَّ أن يدوم.

ومنها: البِرْسام (٢) وهو مخوفٌ، وأما الجَرَبُ، ووجَعُ الضرس، ووجع العين، والصداع، فهي غير مخوفة (٣) هذا هو الكلامُ في الأمراض المخوفة، وقد تَعْرِضُ أحوالٌ تشبه الأمراض في اقتضاء الخوف، وفيها صور:

إحداها: إذا الْتَقَى الفريقَانِ، والْتحم القتالُ بينهما، واختلط بعْضُهم ببعض.

والثانية: إذا كان في السَّفينة، واشتدَّت الرياح، وهاجَتِ الأمواج.

والثالثة: إذا وقع في أسر الكفار وعادتهم قتل الأسارَى.

والرابعة: قُدِّمَ؛ ليُقْتَلَ قِصاصاً، ولم يُجرح بعدُ فالحكاية عن نصِّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- في الصور الثلاث: الأُولَى أنها تلتحقُ بالمرض المخوف، وعن نصِّه في


(١) قال النووي في شرح مسلم: هو قروح تخرج من الجسد فتكون في المرافق والأباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه ورم، وألم شديد، ويخرج تلك القروح مع أهدب وكسور ما حواليه أو يخضر ويحمر حمرة بنفسجية كدرة يحصل معه خفقان القلب والقيء. انتهى. أما الأطباء فقالوا: الطاعون ورم قتال يحدث غالباً في أحد المواضع الثلاثة التي هي الإبط وحلقة الأذن والأرنبة، وبالجملة في اللحوم الرخوة ويختص باللحم الغددي؛ لأنه لا يقبله من الأعضاء إلا ما كان أضعفه وأسلمه الأحمر ثم الأصفر ثم الذي في السواد لا يفلت منه أحد.
قال ابن سينا في الطواعين: تكثر في الوباء، وفي البلاد الموبئة، وروى الطبراني أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الطاعون فقال: "طعنكم عدامكم من الجن" وفي الصحيح أنه كان عذاباً على من كان قبلنا وصار لنا رحمة وشهادة.
(٢) وهو بباء موحدة مكسورة في أوله, ورم في حجاب القلب أو الكبد، ويصعد أثره في الدماغ. وفي المعجم الوسيط ١/ ٤٩: هو ذات الجنب، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة.
(٣) وقيد في الوسيط الجرب والصداع باليسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>