للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: وهو اختيار ابن سُرَيْجٍ، ويُحْكَى عن أَبي حنيفة ومالكٍ والإِصطخريِّ -رحمهم الله- أن له ثُلَثَ الثُّلُثِ الباقي؛ لأن الوصية بالثُلثِ الشائع، فإذا خرج الثلثان بالاستحقاقِ بَقِيَتِ الوصيةُ في ثلث الباقي، وهو تُسْعُ الجملة، وصار كما لو أوصَى بثلث ماله، فاستُحِقَّ ثلثاه، لا يكون من الباقي إلاَّ الثُّلُث.

والطريق الثاني: القطْعُ بأَنَّ له ثلثَ الثُّلُث الباقي، وحمل ما رواه المزنيُّ عَلَى ما إِذا لم يتلفَّظْ بالثلث، ولكن كان له ثلاثونَ من الغَنَم مثلاً، في الظاهرِ، فقال: أعطُوهُ عَشَرةً منْها، ثم استحقَّ عشرون منْها بعَيْنها أَو عَلَى ما إِذا أَوصَى بأحد أثلاثِ العَبْدِ المعيَّن، فاستحق ثلثاه، أو على ما إِذا أوصَى بثلث معيَّن من الدار، فاستحق باقيها أو عَلَى ما إذا اشترَى ثلُثَها من زيْد وثلثيها من عمْرو وأَوْصَى بما اشتراه من زيْدٍ، واستحق ما اشتراه من عمرو، فإن في هذه الصور [ة] يكونُ له الثلثُ الباقي، واعلم أنَّ أصحاب الطريقة الأولَى مَنْ يعبِّرُ عن الخلاف بالوجْهَيْن أو بالمنصوص والمُخَرَّج، وربما وجَّهوا الأظْهَر بأنَّ الظاهر أنَّه إنما يوصَى ويُتصرَّف فيما يملكه، وقد اشتهرَ الخلاَفُ في العَبْد المشتَرَكِ بين اثنين بالسويَّة، إِذا قال أحدُهُما، بعت نصفَهُ أَنَّ البيعَ ينْصَرِف إلَى نصفه أو يشيع، ولا فَرْق في ذلك بين البَيْع والوصيَّة، فينتظم أَن يبنى أحد الخلافَيْن على الآخَرِ أو يقال: هو هو، ثُمَّ عن ابن سُرَيْجٍ أَن الوصيَّةَ إِنَّما تنتفي في ثلث الثلثِ الباقي، إِذا كان قد قال: أوصيتُ له بثُلثِ هذا العبد، فأما إِذا قال: أعْطُوه ثلثه، دفع إِليه الثلث الباقي كاملاً، لا محالة، ولو أوصَى بأثلاث الأعبد الثلاثة، واستحق اثنان منهم، فلا شكَّ أَن الوصية تنفد إِلاَّ في ثلث العبد الباقِي، ولو أَوصَى بثلث صُبَّرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقِي بلا خلاف؛ لأَنَّ الوصيةَ تناولتَ التالف، كما تناولَتِ الباقِيَ، وهاهنا لا تتناول المستحقّ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَرْعٌ إِذَا مَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَاتِ فَفِي نَقْلِ مَا أَوْصَى بِهِ في بَلَدِهِ لِلمَسَاكِين وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ما أوصَى به للمساكين، هل يجوز نقله إِلى مساكين غير بلد المَال فيه طريقان (١):

أحدهما: أنه على قولَيْن، كما في نقل الزكاة؛ تنزيلاً للفظ المطْلَق عَلَى ما ورد به الفرْع.

والثاني: ترتيب الوصيَّة على نقل الزكاة، إن جوَّزنا نقل الزكاة، ففي الوصية


(١) قال النووي أصحهما النقل والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>