للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: فَإنْ رَأَتْ قَبْلَ الوِلاَدَةَ دَمًا عَلَى أَدْوَارِ الحَيْضِ، فَلَهُ حُكْمُ الحَيْضِ فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ، إلاَّ فِي انْقِضَاءِ العِدَّةِ بِهِ، فَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْساً وَتَطْهُرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَحَاضَتْ خَمْسًا وَوَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الطُّهْرِ فَمَا بَعْدَ الوَلَدِ نِفَاسٌ، وَنقْصَانُ الطُّهْرِ قَبْلَهُ لاَ يَقْدحُ فِي إفْسَادِهِ وَلاَ فِي إفْسَادِ الحَيْضِ المَاضِي؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الوِلاَدَةِ أَعْظَمُ مِنْ طُولِ المُدَّةِ، وَلَوْ اتَّصَلَتِ الوِلاَدَةُ بِآخِرِ الخَمْسَةِ وَجَعَلْنَاهَا حَيْضاً فَلاَ نَعُدُّهَا مِنَ النِّفَاسِ، وَلاَ نَقُولُ: هُوَ نِفَاسٌ سَبَقَ، وَكَذَلِكَ مَا يَظْهَرُ مِنَ الدَّمِ فِي حَالِ ظُهُورِ مَخَايِلِ الطَّلْقِ.

قال الرافعي: ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوار الحيض هل هو حيض أم لا؟ قال في القديم: لا، بل هو دم فساد، وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ" (١).

جعل الحيض دليلاً على براءة الرحم، فلو قلنا: الحامل تحيض لبطلت دلالته، ولأن فم الرحم ينسد بالحمل فيمتنع خروج دم الحيض، فإن الحيض يخرج من أقصى الرحم.

وقال في الجديد: هو حيض، وبه قال مالك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ" (٢).

أطلق ولم يفصل بين الحامل والحائل، ولأنه دم في أيَّام العادة بصفة الحيض على قدره فجاز أن يكون حيضًا كدم الحامل والمرضع ولا فرق على القولين بين ما تراه قبل حركة الحمل وما تراه بعدها، ومنهم من قال القولان فيما بعد حركة الحمل أما من وقت العلُوق إلى الحركة، فهو كحال الحيال.

فإن قلنا: إنه ليس بحيض فهو حدث دائم كسلس البول. وإن قلنا: إنه حيض حرم فيه الصّلاة والصّوم والوطء، ويثبت جميع أحكام الحيض، إلا أنه لا يحرم فيه الطلاق، ولا تنقضي به العدّة.

قال الله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٣).

ثم إن هذا القول في الدّم من التي ولدت بعد خمسة عشر فصاعداً من وقت


(١) أخرجه أبو داود (٢١٥٧) وأحمد في المسند (٣/ ٦٢) أعله عبد الحق، وابن القطان، انظر الخلاصة (١/ ٨٣).
(٢) تقدم.
(٣) سورة الطلاق، الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>